بربك يا سيدي أين تحمل بكل هؤلاء القدر؟ وكان بين المسئول والسائل حوار قصير عرف منه البائس أن ريح المنون قد عصفت بأهله. فارتد إلى الفندق لا يملك دمعة ولا قلبه، ثم قضى حينا من الدهر ذاهب القلب يكابد غصص الكرب ويعالج مضض الهموم حتى رأم الزمان والأيمان جروح صدره.
وقع في نفس الوحيد الحزين أن يتزوج ليعيد إلى سجل الوجود اسم أسرته فاقترحت عليه جارة له عجوز أن تخطب إليه فتاة يقولون أن بينها وبين بني فلان عاطفة رحم. ويؤكدون أنها تنزع إلى عرق كريم لطبعها المهذب وجمالها المحتشم فاطمأن قلب الخطيب إلى رأي الخاطبة واختلفت العجوز بينه وبين ولي الفتاة حتى تم الوفاق وسمي الصداق وعينت ليلة الزفاف.
زفت العروس إلى زوجها فبهره ما رأى من جمال وأحس من ظرف وسمع من أدب، فافتر في وجهه السرور وحمد الله على حسن توفيقه، ثم أتقضى شهر العسل على خير ما يجد زوج من زوجه.
وفي ليلة تجاذب العروسان أطراف السمر وشققا بينهما الحديث حتى أفضى إلى علاقتها بوليها فلان (بك) فأحب الزوج أن يعرف درجة القرابة بينهما، فغضت الفتاة من طرفها وشاعت حمرة الخجل في وجهها، وقالت في صوت خافت متهافت من الخزي والخوف: الحقيقة أنه ليس بيني وبين هذا الرجل قرابة!! وإنما هو نبيل محسن أواني ورباني بعد ما فجعني البين في أخي، والموت في أبي، وأنا يومئذ في حدود الثانية عشر. ثم تتابعت الأسئلة من الزوج، وتسارعت الأجوبة من الزوجة وكان كل من أنجاب عن خبايا الغيب حجاب امتقع لونه وأقشعر بدنه، واشتد وجيب قلبه، وكانت هي كلما رأت منه ذلك نسبته إلى إنخداعه في أصلها فمضت تفصل المأساة وتصور الفاجعة بالكلام والدمع، عسى أن تعطف قلبه على مصابها، فلا يفكر في طلاقها وعذابها، ولكنها لم تكد تلمس الحجاب الأخير حتى رأت زوجها قد وقف شعره وانتفخ سحره وارتعدت أطرافه، ثم أنفجر صارخا يقول: وا ويلتاه! وا مصيبتاه! لقد تزوجت أختي!. . . . ثم خر مغشيا عليه. فلما ثاب إليه بعض رشده نظر إلى أخته فوجدها فاقدة الوعي فتركها وابتدر الباب وخرج مسرعا لا يلوي على شيء ولا يلتفت إلى أحد!.