يشرحها ويفسرها لنا ويبين لنا ما فيها ويعلمنا كيف نقرأها ونفهمها. . .
وأذكر أني وأنا طالب في مدرسة المعلمين العليا كنت أضحك فيما بيني وبين نفسي حين أسمع أستاذنا يقول لنا بلهجة الجد إن علينا أن نعنى بأن ندرس الطفل؛ وكنت أقول لنفسي وأي حاجة بنا إلى درس المعروف المفهوم كأنه مجهول أو غامض. فلما كبرت وصار لي ابن أدهشني أني وجدت أني محتاج أن أروض نفسي على النظر إلى الأمور بعين الطفل لا بعيني أنا؛ ولم تكن هذه الرياضة لا سهلة ولا خفيفة، فقد كانت تستنفد صبري ومجهودي معاً، ولكني كنت مضطراً إلى ذلك بعد أن شاءت الأقدار ألا يبقى له من أبويه سواي، ولولا ذلك لنفضت يدي من الأمر كله وتركت العبء لغيري
ومن فرط جهلي بالطفولة وثقل الشعور على نفسي بذلك أراني أحياناً أتمنى لو يرزقني الله عشرين أو خمسين طفلاً دفعة واحدة لا لأعذب نفسي بهم وأطير عقلي معهم، بل ليتسنى لي أن أدرس الطفولة كما ينبغي أن تدرس على نحو ما سمعت أن العلماء يدرسون ما لا أدري في معاملهم، ولكن الحوائل دون ذلك كثيرة: منها أن المرأة ليست كالقطة أو الأرنبة، ومنها إني لا أستطيع أن أعول كل هذا الجيش من الصغار، ومنها إني خليق في هذه الحالة أن أجن فلا أنا درست شيئاً ولا أنا أبقيت على عقلي
والضرورة تفتق الحيلة كما يقولون؛ والحاجة أم الاختراع. وقد لجأت إلى وسيلة أخرى أخف محملاً وآمن عاقبة، وفيها بعد ذلك لهو لا بأس به، وتلك أني أكون مع أطفالي كما يكونون أو كما أراهم يكونون، وكما يبدو لي منهم، فأخلع ثوب الكبر والوقار والاحتشام وأجعل من نفسي طفلاً مثلهم، وأحاول أن ألبس هذا الثوب الذي نضته عني الأيام بكرهي ولم تبقى لي منه إلا ذكرى السعادة وأما أمرح فيه. ومن العجيب أنا لا نذكر إلا أنا كنا سعداء به؛ أما كيف كنا سعداء، وما كان يسعدنا، فهذا ما نتخيله في كبرنا لا ما نعرفه على التحقيق. ولكن استعادة هذا العهد الذاهب عسيرة جداً. نعم أستطيع أن أقلدهم فيما أراهم يصنعون، فأضحك مثلاً بكل جسمي لا بفمي وعيني فقط! وأسقط على الأرض متهافتاً من شدة الضحك كما يفعلون، وأقذف بالكرة بلا حساب أو تقدير فتصيب المرآة أو زجاج الصورة المعلقة أو أنف جالس يستغرقه الحديث الذي يخوض فيه مع جاره فينتفض مذعوراً، ويسبقه لسانه بما لا يروي وما يجب أن يغتفر له، ونرى ذلك نحن الأطفال