فيترامى بعضنا على بعض من فرط السرور والجذل، وتتصادم رؤوسنا ثم نفطن إلى غضب الذي أصيب أنفه وندرك أن هذا الغضب قد يكلفنا ما لا نحب فنذهب نعدو ويد الواحد منا على كتف صاحبه أو ممسكة بذيل ردائه، ونتزاحم ونحن خارجون من الباب الذي لا يتسع لنا جميعاً؛ فيقع أحدنا ويتعثر الباقون فوقه، ويصيح المتأذون من الضجة التي أحدثناها وينهروننا ويزجروننا عن هذا العبث المزعج الذي يفلق الرؤوس ويعرض الأنوف والعيون للإصابات المباغتة، فتخفت أصواتنا ويلصق بعضنا ببعض في ركن من الغرفة الثانية ونكمن وراء خزانة أو غيرها مما يتفق وجوده ونصمت برهة ثن يشق علينا السكوت، وتمل ألسنتنا الهدوء، ويتذكر أحدنا ما أفاد من المتعة حين رأى المصاب في أنفه يصرخ ويرفع يديه إلى وجهه ويصيح باللعنات الحرار والتهديد المرعب - يذكر أحدنا ذلك فيغلبه الضحك فيكركر ويساوره الخوف مما هدد به فيتناول بعض ثوبه ويضعه على فمه ليخفض صوت السرور ولكنا نرى ذلك منه فيعدينا فنفعل مثل ما يفعل ونصبح نحن الثلاثة أو الأربعة كأننا ثلاثة قطط أو أربعة - قطط صغار وليدة من فرط التداني والاختلاط، فهذا وجهه مدفون في صدر ذاك، وذاك رأسه تحت ذقن الثالث، والثالث وجهه إلى الحائط وهو يغت ويغالب ضحكه، والرابع قاعد على الأرض ومخف وجهه في طيات الثياب. وأحيانا أكون مع الأطفال قطاراً يسير متعرجاً بين الكراسي والمقاعد والأثاثات المختلفة، ولا يخلو سير هذا القطار الآدمي من حادثة فيكسر كوباً أو إبريقاً أو يقلب شيئاً؛ وقد نقع الحادثة له - فيتعثر الذي هو القاطرة وتنكب المركبات على جسمه؛ ولكن الحوادث - كائنة ما كانت - ولا يراق فيها دم - إلا دم إصبع مجروح أحيانا - ولا تمنع البشر والضحك، بل لعل هذه الحوادث هي التي تجلب السرور ولا تكون المتعة إلا بها
أفعل ذلك وغيره وأقدر عليه، ولا يحس الأطفال الذي ألاعبهم وأغالط نفسي بأني أحدهم ومثلهم أن هنالك أي فرق بيني وبينهم، ولكني أنا أحس بالفرق الذي يخفي عليهم. ومهما بلغ من استغراق اللعب لي فليس يسعني أن أنسى أني كبير وأني مقلد ليس إلا. ولو نسيت لأذكرني التعب الذي سرعان ما يحل بي، وصدري الذي يعلو ويهبط كموج البحر، ودقات قلبي السريعة، وأنفاسي المنبهرة، فلا يلبث ذلك كله أن يردني بعنف وغلظة إلى ما أتجاهله من الحقائق؛ ولو لم يكن هناك شيء من هذا لكان حسبي من الفرق أن الأطفال يختلفون