عني في التفكير والنظر والتقدير، وأنهم يفعلون ما يفعلون بفطرتهم، ولأن حيويتهم كلها في أعضائهم وأين أجاريهم متكلفا؛ وهم يسرون بما يفعلون، أما أنا فسروري بمبلغ توفيقي في التقليد والتمثيل لا في الفعل نفسه، أي أن سروري بمحاكاتهم ومجاراتهم فني في الحقيقة؛ أما هم فالأمر عندهم طبيعي، وإفادة السرور راجعة إلى أنهم يرسلون نفوسهم على سجيتها
ولست ألاعب الأطفال لأسرهم فقط - وإن كان هذا وحده كافياً لتهوين ما أتكلفه من العناء والجهد - ولكني أحب أن أدرس الطفولة بمحاولة الاندماج مع الأطفال وتمثل احساساتهم وتصور بواعثهم على قدر ما يتيسر ذلك لي وبمعالجة استرداد القدرة على الصدور عن وحي الفطرة التي لا يكبحها العقل أو التهذيب أو العرف أو غير ذلك من اللجم التي يحسها الكبار كلما هموا بفعل شيء تغريهم به الفطرة
ولدرس الطفولة مزايا كثيرة هي السر في ولعي بهذا الموضوع: منها أن الطفل في بلادنا أشقى عباد الله. وإنه ليخجلني أن أقول إننا نعذب الأطفال ونقمع في نفوسهم الجديدة روح الطفولة ونمنعها أن تتفتح وتزهو وتربو؛ وأحر بنا إذا فهمنا الطفولة أن نحسن سياستها ونسعدها ونجعل عهدها حميداً وتمهيداً صالحاً لعهد الشباب؛ وأنا موقن أن خير الآباء ليس هو الذي يرضى عن أبنائه أو عما يعتقد فيهم ويظن بهم - فقد يكون مخدوعاً وهذا هو الأغلب - وإنما أحسن الآباء هو الذي يرضى عنه أبناؤه ويفرحون به ويباهون يعتزون
فسياستي مع أطفالي هي أن أسعى لاكتساب رضاهم عني لا أن يكونوا بحيث أرضى أنا عنهم؛ والفرق دقيق ولكني أظنه واضحاً. وقوام هذه السياسة أن تدرك أن للطفل نفساً غير نفسك، وأن لها استعداداً لعله غير استعدادك، وأن مهمتك أن تعين الطفل على إنماء مواهبه الكامنة والانتفاع بهذا الاستعداد المضمر، وأن توجد الفرصة لإبراز ذلك، لا أن تأخذ عليه الطريق وتسده؛ وبعد أن يبدو لك ما يشي بالاستعداد تسرع في توجيهه وتقويته. ولا يمكن أن يتيسر ذلك إلا إذا تركت للطفل حريته. وكيف يمكن أن تعرف ما يخفى من أمره إذا كنت تلزمه حالة معينة، أو تحتم عليه مسلكا لا يجوز له أن يعدوه أو ينحرف عنه؟. . . وكيف ترجو أن تكون له شخصية متميزة بخصائصها إذا كنت تأبى عليه الاستقلال والحرية؟. . . إن تربية الطفل هي في الحقيقة تجربة يجريها المربي ولا سبيل إلى الاطمئنان إلى صحة النتيجة إذا كنت تبدأ برأي معين وفكرة لا تحيد عنها. وسلسلة