السكر. فليس الطفل وحده هو الذي يشهد أن الإنسان في الأصل لا كريم ولا ذو مروءة أو شهامة أو غير ذلك، وأنه إنما يكون كذلك اكتساباً وبالدربة والعادة وبفضل الرغبة والرهبة وغيرها مما يدفع إلى الحرص على المصلحة الذاتية، ومن هنا كانت أهمية العناية بالطفل، فما ترك طفل وشأنه بغير عناية وتوجيه إلا فسد وصار شريراً وأمرؤ سوء. وهذا دليل آخر على أصل فطرة الإنسان. وليس معنى هذا أن أصل فطرة الإنسان سيئة، وإنما معناه أن عوامل ما نسميه الشر في الدنيا أقوى وأشد إغراء وأعظم استيلاء على النفس، وأن الخير مجعول لمصلحة الجماعة ومصلحة الفرد ضمنا
وليس أقدر من الأطفال على التخيل. ترى الواحد من الأطفال يمشي القهقري بحذر فلا تفهم، وتجده يحشر نفسه بين كرسيين ثقيلين ثم يعجز عن التخلص، ويضيق صدره فيصيح بك، أو يبكي فتنهض إليه وتسأله عن الخبر فيقول لك إنه كان يدخل السيارة في الجراج فانحشرت وانكسر السلم ويكون معنى هذا أنه عد نفسه سيارة واستولت عليه هذه الفكرة فهي تستغرقه وتذهله عن كل شيء، فلو كلمته لما سمع؛ وتراه مرة أخرى يشير إلى الهواء ويكلم من لا وجود له ويدعوه أن ينزل؛ فلو كان رجلاً لظننته قد جن، ولكنه طفل يتصور أن في الجو طيارة يحادث ربانها ويدعوه إلى النزول ليركب معه وهكذا
وللطفولة أحزانها كما أن لها مباهجها ومسراتها، ولكن المزية أن الأحزان أو الهموم لا تكون إلا هموم هنيهة قصيرة تزول وتمحي ولا يبقى لها ذكر متى عرض شاغل آخر. ويعيش المرء منا ما يعيش ويبلغ من العلم والعرفان والتجربة والفطنة ما يبلغ ولكنه لا يستكبر أن يتمنى أن يرد إلى هذه الطفولة الذاهلة. فإذا كان للسعادة معنى أو كان لها في الدنيا وجود فهي في عهد الطفولة ولا شك