وتكون قد وعدت أخاه بشيء إذا حفظ درسه مثلاً فيحفظه فتهدي إليه ما وعدته، ويراك أخوه فيغضب ويغار وينقم منك أنك اختصصت أخاه دونه بشيء، ويدعوك أن تأخذ من أخيه وتعطيه هو، ويسره أن تفعل ذلك ولا يبالي أخاه ولا يحفل أنه خطفت من يده الهدية الموعودة، بل يروح يخايله بها ويكايده ويغتبط بأن يراه منغصاً محروماً دونه
ولا شكر على صنيع جميل ولا حفاظ لعهد، ولا وفاء ولا ذكر، إنما له الساعة التي هو فيها، والشيء الذي يحس أن نفسه تطلبه، وفيما عدا ذلك على كل شيء وكل إنسان ألف سلام
قد يقال أن هذا من الجهل وقلة الإدراك، فأقول: إني أتكلم عن الأصل قبل التهذيب والصقل. أم الإدراك فهو كالرقي الذي وصل إليه الإنسان على الأيام وبعد الحقب الطويلة؛ وقد أسلفت أن الطفل يمثل الأدوار التي مرت بالإنسانية من بدئها إلى حاضرها. فأنت ترى في سنة من عمر الطفل اختزالا لما قضت الإنسانية دهوراً ودهوراً طويلة وهي فيه من الحالات. وأما التعليم والتهذيب فهذه هي اللجم والأعنة التي نضعها لضبط هذه الغرائز وكبح العواطف وتوجيهها إلى المجاري التي احتفرت على الأيام وتحدرت فيها حياة الجماعة المنتظمة المهذبة؛ واللجام طارئ، فإذا كان يكبح بما يشد ويصد فليس معنى هذا أن ما صار إليه الأمر بعدها هو الذي كان قبلها
ومع ذلك هل نحن الكبار المثقفون المهذبون المصقولون خير من الأطفال الصغار؟. وللجواب عن هذا السؤال أرجو أن يسأل القراء أنفسهم ماذا يكون الحال - حال المجتمع لو أمنتم عقاب الله وسطوة القوانين وحكم العرف؟. والقوانين لا تعاقب على بعض الرذائل مثل الكذب والخداع والنفاق، فانظر من الذي لا يكذب أو يخادع أو يداهن وينافق - أحياناً كثيرة على الأقل؟ أظن أنه لو أمن الناس البطش والعقاب لما بقى شيء لا يجترحونه
وتعالى إلى الرجل الساكن الوقور الرزين الذي يملك زمام أعصابه ولا يدعه قط يفلت من يديه، وادن منه وهو بين الناس والطمه على خده لطمة قوية، ثم انظر ماذا يبقى من صقله وسكون طائره ووقاره، ومن هذه القشرة التي كسته المدنية وزانته بها؟
وأوجز فأقول إن الإنسان يرتد إلى طباعه الفطرية إذا أوجدته في حالة تسمح لهذا الطباع بالظهور والتغلب على لجم المدنية مثل الجوع أو الغضب أو الألم أو الخطر على الحياة أو