النفس وننشئه على إدراك الحدود والواجبات ونعده لحياة الجماعة المنظمة التي لا يسمح فيها بإرسال النفس على السجية في كل حال بغير كابح أو رادع أو ضبط
وشيء آخر لا سبيل إليه إلا الطفل، وذاك أن من أراد أن يعرف حقيقة الإنسان فليتأمل الطفل؛ وأنا أومن بأن الإنسان مخلوق لا شريف، ولا كريم، ولا خير، ولا فيه خصلة واحدة من خصال الخير؛ وأنه لا يعرف لا خيراً ولا شراً، ولا فضيلة ولا رذيلة، وإنما يعرف نفسه وأهواءها وشهواتها وما يحسه من رغباتها؛ وهنا موضع التحرز من خطا؛ فأنا لا أقول إن الإنسان خير بطبعه، ولكني لا أقول شرير بطبعه. وسبب ذلك أني لا أرى الغرائز الطبيعية لا خيراً ولا شراً، وإنما هي غرائز طبيعية وكفى، وعقلي لا يسمح لي أن أستنكر الفطرة التي بنينا عليها
ولا حاجة في الحقيقة إلى الرجوع إلى الطفل للاستدلال على أن الإنسان ليس بفطرته خيراً أو فاضلاً أو كريماً إلى أخر هذه المعاني الحسنة، فانه يكفى أن يفكر الإنسان في هذه الشرائع والقوانين وما إليها وكلها حض على الخير ونهى عن الشر. ولماذا يحتاج الإنسان إلى كل هذا الحض على الخير والتزيين له والتحبيب فيه، وكل هذا الزجر عن الشر والتخويف منه والتهديد بالعقاب عليه إذا كان بفطرته خيراً عزوفاً عق النكر والسوء؟.
ولكن الطفل مع ذلك أبرز مثال محسوس لحقيقة الفطرة الإنسانية. هات طفلاً وأعطه عصفوراً، وانظر ماذا يصنع به. . يربط رجله ويشد عليها ولا يبالي ألمه ويروح يطوح به ذراعه مسروراً بالدائرة الوهمية التي يرسمها به في الهواء غير عابئ بما يكلفه ويحمله من الأذى، أو يقبض على عنقه ويحبس أنفاسه ثم يلقيه على الأرض ويغتبط بأن يراه منطرحاً على جنبه ورجلاه إلى فوق، وهو لا يحس أن هذا قسوة لأنه لا يعرف لا القسوة ولا الرحمة، وإنما يفعل ما يفيده السرور الذي يطلبه والمتعة التي يشتهيها.
وتعطيه قطعاً من الحلوى ويجيء من يطلب منه واحدة، فإذا كنت لم تعلمه ما نسميه الأدب فانه لا شك يضم يده الصغيرة عليها وقد ينثني فوقها ليحجبها عنك ويمنعك في ظنه أن تأخذ منها ما طمعت فيه
وتكون في يدك موزة أو تفاحة أو ما يشبهها من الفاكهة فإذا كنت لم ترضه على كبح النفس فستراه يشب ويمد كلتا يديه إلى ما في يدك ويصيح بك أن هاتها واحرم نفسك وأعطني