الحافل من مبدئه إلى منتهاه؟ كان الدوج (أو الدوق) رئيس الجمهورية وحاكمها الأعلى، وكان في المبدأ يعين بالانتخاب على يد جمعيات من الشعب، ثم أنشئ المجلس الأعلى في القرن الثاني عشر من نواب يعنيهم زعماء الولايات، ومنهم ينتخب الدوج والوزراء وكبار القضاة؛ وكانت البندقية جمهورية، ولكن جمهورية أرستقراطية، تقبض الأرستقراطية على مصايرها وتستأثر فيها بالحكم والسلطان؛ وكان الشعب يجاهد طول الوقت لكي ينتزع لنفسه تلك السلطات التي تستمد منه وتدار باسمه؛ ولكن تلك الأرستقراطية الطاغية المستنيرة معاً كانت حريصة على سلطانها وزعامتها؛ وفي القرن الثالث عشر استطاعت الأرستقراطية أن تقصي الشعب نهائياً عن كل اشتراك في الشؤون العامة، وذلك بأن حول المجلس الأعلى من هيئة نيابية انتخابية إلى هيئة وراثية خالدة، وبذا قامت في البندقية تلك الأرستقراطية الوراثية القوية التي يصفها المؤرخ الفيلسوف سسموندي بقوله:(كانت فياضة الحزم والغيرة والطمع، جامدة في مبادئها، راسخة في سلطانها، تقترف باسم الحرية طرفا من أشنع مثالب الاستبداد، مشاكسة غادرة في السياسة، دموية في الانتقام، متسامحة مع الفرد، باذخة في الشؤون العامة، مقتصدة في الإدارة المالية، عادلة نزيهة في القضاء، قديرة في إزهار الفنون والزراعة والتجارة، محبوبة مطاعة من الشعب؛ يرتجف النبلاء الذين تمثلهم منها فرقا) ثم اختارت الأرستقراطية مجلس العشرة الشهير، وخول سلطات استثنائية وعهد إليه بحماية الجمهورية وسحق كل جريمة وثورة يدبرها الخوارج والطامعون، فتم بذلك للأرستقراطية سلطانها المطلق، وغدت كل شيء في نظم الجمهورية وحياتها ومصايرها
وقصر الدوجات من أقدم الصروح التاريخية يرجع بناؤه إلى نحو ألف عام، ولكن القصر القديم أحرق وزالت معالمه غير مرة خلال الحوادث والفتن، وأعيد بناؤه، وتعهده الدوجات بالإنشاء والزخرف حتى اتخذ شكله الحالي منذ القرن الرابع عشر؛ وتشرف واجهة القصر الأمامية التي تذكرنا حناياها المرمرية بالمشرفات الشرقية، على منعطف سان ماركو، وتشرف واجهته الخلفية على قناة من الماء؛ ويقع في مواجهته بناء عتيق قاتم هو سجن الدولة القديم؛ وتربط الصرحين قنطرة معلقة هي قنطرة الزفرات الشهيرة (بونتي دي سوسبيري) التي يمثل اسمها في كثير من القصص المؤسى، والتي يقال إنها لعبت أيما دور