الإنجليزي إلا مساً خفيفاً، وفي عهود قصيرة، وذلك للظروف التي أحاطت ببناء الإمبراطورية
فقد شيدت الإمبراطورية الإنجليزية ببطيء وتدرج، لا بسرعة كما شيدت الإمبراطورية الرومانية، ولا فجاءة كما بنيت الإمبراطورية العربية، فلم يغمر المجتمع الإنجليزي سيلٌ مفاجئ من الثروة؛ وبنيت الإمبراطورية في العصور الحديثة فلم يتبع الإنجليز الطريقة القديمة من انتهاب أموال العدو المهزوم وأسر المقاتلين أو المسالمين واسترقاقهم؛ ولم يستأثر الملوك والقواد بغنائم الحرب وثمرات الفتح، فتنحصر الثروة في طبقة محدودة تسرف في اللذات بينما بقية الشعب محروم، بل كان الإقليم المفتوح حرباً يفتح للتجارة الإنجليزية ورجال الأعمال الإنجليز صغارهم وكبارهم، فجاء توزيع الثروة بين طبقات الشعب أكثر تعادلاً مما كان في المجتمع العربي
أضف إلى ذلك أن الإنجليز لم يخالطوا الشعوب المفتتحة ولم يسمحوا لأبنائها أن يملأوا عليهم وطنهم الأول ولم ينتقلوا هم إليهم بحواضرهم كما فعل العرب، ولم يأخذوا عنهم ضروب لهوهم وترفهم ولا غير ذلك من مظاهر الحياة، لأنهم كانوا عادة يفتتحون أقاليم أقل منهم حضارة، لا يستسيغون ما عندها من ضروب المتَع؛ وظل الإنجليز في بلادهم بعيدين عن تأثيرات أملاكهم، متمسكين بتقاليدهم القومية وعوائدهم وأنظمتهم التي نمت وتوطدت قبل الالتفات إلى ما وراء البحار
هذا إلى أن الإمبراطورية لم تشيد إلا وقد كسرت شوكة الملكية في إنجلترا واستتب النظام الدستوري؛ والملوك المستبدون هم عادة رادةُ الترف في ممالكهم والموحون إلى رعاياهم باغتنام اللذات والملاهي، يتوفر أوائلهم على تأسيس الدولة وتأثيل السطان، ثم يعكف أخلافهم على الترف والأبهة واتباع الشهوات، ويقتدي بهم من هم دونهم. كذلك كانت الحال في الدولة العربية حيث توطد سلطان الملك بامتداد أطراف الإمبراطورية؛ أما في إنجلترا حيث كف الملك عن أموال الدولة أن يبذرها، فقد ظل الملوك متبعين سياسة الاعتدال، فلم يكونوا قدوة سيئة لغيرهم من الطبقات
إنما فشا الترف والفساد في المجتمع الإنجليزي في أواخر القرن السابع عشر حين عادت الملكية منتصرة من فرنسا مستعيدة بعض ما ضاع من نفوذها، مصحوبة بالفرسان الإنجليز