للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجوههم كورق الخريف، واحمرت أعينهم بالدم القاني، وهذَوا في القول وحق عليهم الفناء. وفتح زجاجاته على جلود المرضى، فأخذت البعوضات تمتص من دمائهم حتى إذا امتلأت سدّ الزجاجات عليها، وحملها إلى منازل من الزجاج أُعدّت لها، وأدخل فيها إلى البعوض أطباقا صغيرة من الماء ومن سكر. وفي هذه المنازل هضمت أُنثيات البعوض هذه غذاءها من الدم المحموم، وطنّت قليلا، ثم سكتت في انتظار التجربة

وتذكر لازار ما قاله رِيدُ له: (يجب ألا تغفل عن حمى الملاريا، فلعل بينها وبين هذه الحمى الصفراء شبهاً قريباً، ففي حمى الملاريا لا يكون البعوض خطراً على الناس إلا بعد أسبوعين أو ثلاثة، فلعل الحال في هذه مثله في تلك)

ولكن أين الصبر من لازار، وأين منه صبر أيام بَلْهَ صبر الأسبوعين أو الثلاثة! فجاء بسبعة متطوعين لا أدري كيف جاء بهم، ولا ادري ما اسمهم، لأن أسماءهم على ما أعلم أُسدِل عليها الستار عمداً، لأن التجربة أُريدَ إجراؤها في خفاء كالليل البهيم. وقام لازار على هؤلاء السبعة - ولعّله أسكرهم أو لعّله خدرهم - فأسقَى البعوضَ من دمائهم، هذا البعوض الذي استقى منذ أيام قلائل من دم مرضى أصبحوا في هذه الساعة في عداد الأموات

وا أسفاه للازار! فقد جاءت النتيجة بغير ما ارتجى، فظل السبعة الرجال على أصح حال ولم تأتهم الحمّى. فانكفأ على عقِبَيْه خاسراً نادماً

خسر لازار، وبقى كارول لم يجرّب بعدُ حظَّه. وكارول هو الرجل الذي قضى سنين عونَ ريد الأول، وكان دخل الجيش أول ما دخل جندياً بسيطاً، ثم صار أمباشيَّ وجاويشَ سنوات عديدة تعلم فيها الطاعة حتى صارت من جبلّته. وكان رئيسه ريد قال: (جربوا البعوض). وكان رئيسه ريد ارتأى أن الشيخ المأفون فِنْلي لم يقل لغوا عندما اتهم البعوض. فلزم كارولَ أن يقول ما قال ريد وأن يرى ما ارتآه. أما رأيه هو فثانويّ في حكم الجيش ومألوفه. ألم يقل لهم البكباشي ريد عند رحيله (جربوا البعوض)!

فجاء كارول إلى لازار وهو في يأسه يذكّره، قال: (هأنذا بين يديك متأهب لما تريد). وسأله أن يُخرج إليه أخطر بعوضة لديه - بعوضة تكون عضّت لا مريضاً واحداً بل عدة من المرضى. ومن مرضى في أسوأ حال من حمّاهم. وفي السابع والعشرين من أغسطس

<<  <  ج:
ص:  >  >>