للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أخرج لازار بعوضة حسبها أخرط ما عنده، فقد كانت شربت من دماء أربعة من مرضى الحمى الصفراء كان من بينهم اثنان في أسوأ حال. وحطّت هذه البعوضة على ذراع كارول.

ونظر إليها الجندي كارول وهي تتحسس بمقراصها تتخير للقرص مكاناً من جلده. فما الذي دار في خلده وهو يرقها تنتفخ كالكرة مما تشرب من دمه؟ لا أدري ولا أحد يدري، ولكني أحسبه يداور في فكره حقيقة يعرفها كل أحد: (أنا الآن في السادسة والأربعين، وفي الحمى الصفراء كلما زادت السن قل الرجاء في الشفاء). وكان في سنّه السادسة والأربعين، وكانت له امرأة وخمسة أولاد، ومع هذا فقد كتب في هذا المساء إلى ريد يقول: (إذا كانت نظرية البعوض صائبة وجب أن يكون حظي من الداء وفيراً). وفعلاً قد كان حظه منه وفيراً

فبعد يومين أحس بالتعب ورغب عن عيادة المرضى في عنبرهم، وبعد يومين آخرين أحسّ أنه مريض، وخال أن عنده حمى الملاريا، فنهض بنفسه على رجليه وذهب إلى معمله وفحص دمه تحت المجهر فلم يجد به مما خال أثراً. ولما خيّم الليل ضرب في عينيه الدم، واحمرّ وجهه وأقتمّ، وفي الصباح حمله لازار إلى عنبر الحمى الصفراء، وبقى هناك أياماً طويلة وإلى جنبه الموت. . . ومرّت به دقيقة أحس فيها كأن قلبه سكت فلم ينبض. . . وتلك دقيقة أعقبته سوءاً ستعلمه بعد حين. وظل بعد شفائه يعد تلك الأيام التي قضاها مريضاً بالمستشفى أمجد أيامه. قال: (أنا أول رجل أصابته الحمى الصفراء في أول تجربة من عضة بعوضة متعمَّدة)

وعانى مثلَ حظ كارول جنديٌّ يدعى (س. ص)، أسماه هذا الاسم هؤلاء البحّاث الذين خرجوا على القانون فتستّروا في ظلام الكتمان، وكان اسمه الحقيقي وليم دِين ومسكنه جراند رابدز بمتشجان فهذا عضّته أربع بعوضات وكارولُ في أول مرضه، إحداها هي التي عصّت كارول، والثلاث الأخريات عضت ستة رجال في درجة من المرض معتدلة وأربعةَ رجال كانوا في أسوأ حالة من الحمى ورجلين ماتا بها. وحَظِي هذا الجندي بالشفاء كما حظي كارول

إذن فالتجارب جاءت بخير ما يُرجَى. نعم لقد عضَّ البعوض ثمانية رجال فلم يصبهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>