نعمل على بعث هؤلاء الأموات وعلى تشويه هذه النعوش المتحركة
إذا هم صادفوا مريضاً أو شيخاً أو جثة ميت، فانهم يقولون - لقد انتفت الحياة؛ ولو أنصفوا لقالوا إنهم هم نفيٌ للحياة، وإن عيونهم دحضٌ لها لأنها لا تتجه إلا إلى مظهر واحد من مظاهر الوجود
هم يتلفّعون برداء وسيع من الأسى ويتشوقون إلى الحوادث التي تجر وراءها الموت. ولكنهم يتوقعون الموت وأسنانهم تصطك فرقا. غير أنهم في الوقت نفسه يمدون أيديهم إلى ما لذّ وطاب هازئين، فكأن الحياة قشة يهزأون بها ولكنهم يحرصون عليها. إن حكمة هؤلاء الناس تهتف قائلة (الحياة جنون، أفظع منه التمسك بالحياة. وقد بلغ الجنون بنا هذا الحد الفظيع)
يقولون إن الحياة آلام؛ فهم يقولون حقا، فلماذا لا يضعون حداً لهذه الحياة إن لم يكن فيها سوى العذاب؟ تلك تعاليم ترمي إلى وجوب الانتحار؛ فيقول البعض وهو يدعو إلى الموت: إن الملاذ الجنسية خطيئة فيجب الامتناع عنها والإضراب عن التوليد. ويقول البعض الآخر: إن الولادة مؤلمة، فعلاَمَ تلد النساء وهنّ لا يقذفن إلى الوجود إلا بالأشقياء؟ وهذه الفئة هي أيضاً من المنذرين بالفناء
وتقول لك فئة أخرى: إن الرحمة لازمة فخذ ما نملك، بل خذ ما تتكون شخصيتنا منه، فان فعلت فأنك تقطع من الأسلاك التي تشد بنا إلى الحياة. ولو أن رحمة هذه الفئة من الناس تتغلغل في صميم ذاتهم لكانوا يبذلون الجهد في سبيل دفع سواهم إلى كره الحياة. ليستمر هؤلاء الناس على ما هم عليه، لأن رحمتهم الحقيقية كامنة في إيقاع الأذى
إن ما يقصد هؤلاء الناس إنما هو التملص من تكاليف البقاء فلا يهمهم أن هم ألقوا بأغلالهم على الآخرين.
وأنتم أيضاً، أيها المتحملون من الدنيا همومها وجهودها المرهقة، أفما تعبتم من الحياة؟ أفما أنضجت المحن نفوسكم لتقوم هي أيضاً منذرة بالموت؟
أنتم يا من تحبون الأعمال الوحشية وكل حادث يمتعكم بكل جديد وغريب سريع الزوال! لقد ضقتم ذرعا بأنفسكم فما تتهالكون في العمل إلا تهربا من الحياة وطلبا للاستغراق لتصلوا بذاتكم إلى نسيان ذاتها. ولو كنتم أشد إيمانا بالحياة لما كنتم تستسلمون هذا