كما تقدم حاكما على أذربيجان في مدة خلافة عثمان، فلما قتل عثمان وتولى علي لم يخرج عليه، بل بقى على عمله وأخذ البيعة له، واما الأشتر فقد كان من أهل العراق وكان رئيسا له شهامة وفيه صرامة، وقد غضب على حكام العراق في أيام عثمان وثار بهم حتى كان يمنعهم من الاستقرار والحكم، ثم سار إلى المدينة مع جماعة من أصحابه فكان من رؤساء الثوار الذين حاصروا عثمان بالمدينة. ولما قتل عثمان كان هو متكلم القوم والساعي في اختيار الخليفة الجديد حتى اختير علي، فكان من أكبر قواده، وكان الأشتر من اصلب قواد علي عودا وأحصفهم رأيا ولعله كان من أكبرهم إخلاصا في رغبة الإصلاح العام والعدل في حكومة الدولة العربية. غير أنه كان صارما لا يقبل هوادة، ولا يداري في رأيه. وكان يأخذ على علي إنه قدم الأشعث بن قيس وجعله من قواده. لأنه كان من أكبر رؤوس الثوار على عثمان فلا يثق فيمن سبقت لهم ولاية الحكم في أيام عثمان. فلما كانت موقعة صفين تقدم الأشعث في يوم القتال على الماء فأبلى أحسن البلاء حتى تصايح الجنود أن الأشعث هو صاحب الفخر في ذلك اليوم، وكان المنتظر بعد ذلك أن نراه في طليعة القوم في كل المواطن. غير إنا لا نكاد نسمع له بعد ذلك ذكرا في مدة القتال العظيم بين الجيشين وقد دام اكثر من عشرة أيام، في حين إنا نجد بطل القتال هو الأشتر مالك بن الحرث، نراه في يمين القتال وقلبه، وأنى سار نجد النصر والحماسة. أكان هذا عفوا غير مقصود؟ إذن فاسمع ذلك الانفجار الذي حدث بين الأشتر والأشعث لتعلم مقدار ما كان في أعماق نفسيهما من الحقد والكراهية. لما رفعت المصاحف وطلب معاوية التحكيم انقسم الرأي في جيش علي. ولسنا بسبيل عرض هذا المنظر وإنما نقصد أن نقول أن الأشعث بن قيس كان من أول القواد الذين رضوا بالتحكيم وإيقاف الحرب، وسعى في ذلك سعيا كثيرا إلى حين كان الأشتر قد قرب بجنوده من قلب جيش معاوية حتى أصبح على وشك الوصول إلى شخصه، وحتى فكر معاوية في الانهزام والهرب، وقد اضطر علي عندما رأى انقسام أصحابه وفشله إلى أن يرسل إلى الأشتر يأمره بإيقاف القتال والانصراف عن العدو، وقد آبى الأشتر وتردد ثم اضطر إلى الطاعة وهو كاره ساخط، فلما عاد الأشتر إلى علي ورأى ما رأى من سعي الأشعث في تضييع النصر من يده ثارت حفيظته وكان بينه وبين الأشعث منظر عاصف. قال الأشتر (أو لستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الجور؟)