فقال الأشعث حانقا (إنك والله ما رأيت ظفرا ولا جورا) ثم تدارك الأمر بعد ذلك وعلم انه قد أنكر أمرا عرفه الجميع. فخاطب الأشتر موادعا. قال (هلم إلينا فانه لا رغبة بك عنا) فقال الأشتر غاضبا (بلى والله لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة. ولقد سفك الله عز وجل بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خير منهم ولا أحرم دما) فسكت الأشعث (وكأنما قصع على انفه الحمم) غير إنه استمر على سعيه في إيقاف القتال حتى تم الأمر وأعلن للجند، وكان الأشعث هو الذي سار في إعلانه. ثم أن الأشعث كان له صولة أخرى عند كتابة الصحيفة التي كتب فيها التعهد، والتي ذكر فيها اسم الحكمين، وموقفه ذلك يدل على ما كان في قلبه من الحقد والحفيظة على علي والأشتر. أراد علي أن يختار عبد الله ابن عباس ليكون الحكم المختار من جانب علي فثار الأشعث ومعه جماعة فقالوا لا نرضى بغير أبي موسى الأشعري وهو رجل غير موال لعلي، وليس من الذين نهضوا معه إلى حرب معاوية. فراجعهم علي في ذلك وقال إذا لم ترضوا بابن عباس فأني اختار الأشتر. فثار الأشعث عند ذلك ثورة عظيمة وقال (وهل سعر الأرض غير الأشتر؟ وهل نحن إلا في حكم الأشتر؟) قال علي مراجعا: (وما حكمه؟) قال: (أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد) لم تكن هذه لغة الأشعث يوم القتال على الماء. فما أشد ما حقد على علي والأشتر في أثناء الإقامة عند صفين. أليست الحرب جهد المستميت؟ وهل يستميت مثل الأشعث إذا كان قلبه مليئا بمثل هذا الغيظ؟ لا نستطيع أن نقول أن الأشعث باع نفسه إلى لمعاوية على إحداث ما كان، ولكنا لا نستطيع ألا أن نلمح ما تولد في قلبه من الحقد والكراهية، فأما حقده فعلى ذلك المنافس الناجح وهو الأشتر، أما الكراهية فكانت للخليفة الذي لم يتح له فرصة التصدر والرياسة بعد أن اطمع في ذلك منذ يوم القتال على الماء. لقد كانت صفين مسرحا لعوامل خفية. وأهواء قوية، لم تذهب هذه العوامل وتلك الأهواء سدى، بل قد عصفت بحزب علي في اشد المواقف وأحرجها.
دراسة في التصوف
الأصل في دراستي لهذا الموضوع، هو الإعجاب المطلق، ولقد أدى بي هذا الإعجاب، ومبعثه شوق روحي غامض إلى إجتلاء بعض الحقائق السامية، إلى التفرغ لدراسة التصوف الإسلامي في كتب عدة لبعض أئمة الصوفيين وأخص بالذكر منهم الأمام أبا حامد