الغزالي والاطلاع على بعض الديانات الهندية وأهمها الديانة الوثنية التي يمثلها نبيهم كرشنا، ولمذهب كرشنا وتعاليمه (بنوع خاص) أثر بارز في دراستي لأصول التصوف. وينحصر مذهب كرشنا في أن الإنسان، يعزف عن الخير لمجرد الوهم والخداع في الدنيا وينصرف إلى الدنيا لأنه لا يعني كثيرا بحقيقة الآخرة. وهو يدعو إلى محاسبة النفس، والقيام بالواجب بدون هوى ذاتي، ومجاهدة الروح، والفناء في محبة الله، وهو يشبه الجسم للروح بالثوب للجسم، ومعنى هذا انه يؤيد فكرة التناسخ. ويقول بأن الروح تنتزع نفسها من الجسم المتداعي إذ لا يعود صالحا لها. لتنتقل إلى جسم جديد، ومعنى هذا أن الروح خالدة. وهو يعزو أعمال الإنسان إلى الروح , ويرى أن ثمة قوة عليا هي التي تحرك الإنسان. . وتسيره، أي أن كل ما يفعله الإنسان مسوق إليه بقدرة الله، وأرادته العالية، ولذلك فأن الإنسان يجب أن يؤدي واجبه دون أن يفكر فيما إذا كان هذا الواجب سيجلب إليه الخير والشر. ولقد عمدت أيضا إلى دراسة الديانة السيخية وأود أن أذكر أن اهتمامي هذا كان مبعثه الأول إلى دراسة التصوف، إحساس روحي عميق، في داخل نفسي، كان يذهب حينا، ثم يعود قويا متجددا فلما تناولت بعض المسائل الروحية بالدرس والتجربة واطلعت على آفاق جديدة في الثقافة الآسيوية، وهي في جملتها روحية أصيلة ألفيت نفسي مقودا إلى استكمال وسائل البحث والدرس. . . وقد يبدو مثل هذا الولع بدراسة المسائل المتعلقة بالروح، شيئا يناهض معنى المدنية القائمة اليوم، وهذا ظن خاطئ فأن المدنية التي ترتكز عظمتها على الآلات ليست كل شيء في سبيل إسعاد الإنسان كما يقول الفيلسوف الروسي ليون شستوف. وهذا الرجل يندد بمساوئ المدنية الحديثة لما فيها من الاندفاع المطلق نحو اجتناء اللذات المادية، حتى صار الإنسان في بعض البيئات الصناعية أشبه بالآلة أو الحيوان أن تجرد من الصفات العليا. وشستوف يدعو إلى تنمية العواطف الإنسانية الكريمة، وتذكية الروح في سبيل الارتفاع بالإنسان، والحيلولة بينه وبين طغيان الشهوات الدنيا والمطامع الوضيعة حتى لا تفسد روحه وتخمد المشاعر السامية في نفسه. والواقع أن هذه الدعوة ليست سوى ترديد لما يعتلج في صدور الكثيرين ممن سئموا طغيان المادة على الحياة، وعادوا يحنون حنينا قويا إلى العناية بالروح، كما يعني بالجسم؛ فأن الإنسان ليكاد لفرط ما يحفه من مظاهر الترف والإغراء يعبد الجسد عبادة وثنية. وحدث