للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منذ عامين تقريبا أن اهتممت بالطريقة الروحية التي غاندي في جهاده الوطني، وهي التي يسميها السياسيون بالطريقة السلبية، أقول: إن اهتمامي بفلسفة غاندي جعلني أتجرد لمعرفة قوة الروح والاطلاع على ما يتصل بها وبالجسم. ومن هذه الأشياء التي سبقت، مجتمعة، تكونت عندي فكرة قوية لمعالجة هذا الموضوع، راجيا أن أكون قد وفقت فيه بعض التوفيق بقدر ما يتسنى ذلك في رسالة قصيرة، ولست أستطيع أن ادعي إنني بلغت فيه كل ما أرجو، فأن هذا الادعاء لا قيمة له لنفسي ولا للقارئ، فأنني متصل بهذه الحياة كالآخرين، اتصالا ماديا، هذا الاتصال الذي اشعر بثقله كلما رأيت الإنسان كم يكذب ويخدع، ويحتال، وينافق. . لكي يعيش. أو بمعنى آخر إن قوة المدنية ومادياتها قد طغت على أرواحنا طغيانا جارفا، فأفسد اكثر النواحي الإنسانية فينا، ونمت الروح الحيوانية في سائر أعمالنا، أو كما يقول برناردشو في كتابه الأخير: (مخاطرات الفتاة السوداء) أصبح الإنسان الحديث عبد الخمر والبندقية. ولست في ذلك بالجاحد لقيمة المدنية، فأن التطور الاجتماعي الذي نلمسه في القرن العشرين كنتيجة لجهود العلماء المتصلة لخير الإنسانية قد أفاد الإنسان في حياته فوائد جليلة، ولكن الانتفاع شيء والاستمتاع شيء آخر. . وإطلاق الشهوات هو طريق الانحدار والانحطاط، وأننا لنرى أكثر علماء هذا العصر قد شغلوا جميعا على الرغم من اختلاف اتجاههم في البحث وتباين ثقافتهم بتوحيد القوى الإنسانية، والتغلب على الشهوات التي تثير في النفس التطلع إلى القهر والإذلال والاستعمار والاستغلال والتمرد على الأمم الصغيرة الوادعة كما يتمرد الرأسمالي على العامل. أن التصوف رياضة نفسية عنيفة، وليس من السهل أن يروض الإنسان نفسه عليها، بل أن وضع المدنية لا تكاد يجعلنا نرى في الصوفية المطلقة كل الخير، وخاصة لما تقتضيه الحياة أن يعيش فيها كعضو عامل منتج، إنما يعني اكثر المشتغلين بالتصوف في هذا العصر بإنقاذ الروح كجوهر. وقد قسم العلاقة توماس باتريك هيوز صاحب الموسوعة الإسلامية حدود الصوفية إلى تسعة أقسام أهمها: أن الله في كل شيء، وكل شيء مستمد منه سبحانه وتعالى، وأن كل شيء مرئي أو غير مرئي خاضع لقدرة الله، وان هناك مقاومة بين الروح والجسد ينهيها الموت. فيذهب الجسم، أما الروح فتبقى. وأساس الاعتقاد عند الصوفيين أن الخلود للروح. ولهذا فأنهم يسلكون طريق التعبد والرياضة النفسية تزكية

<<  <  ج:
ص:  >  >>