للنفس والخلق، وتحسينا للشمائل وتبغيضا في الدنيا، واستعداد للرحيل إلى الدار الباقية. . حتى تصفو العقيدة وتنقى السريرة وتصفى من أكدار التكلف والنفاق. ومثل هذه الرياضة تتطلب الخلوة والعزوف عن الأشياء البراقة ومجاهدة النفس وتصعيد الغرائز والارتفاع بالفكر إلى أسمى مكانة، وقد قال الإمام الغزالي في ذلك:(ثم دخلت الشام وأقمت فيه قريباً من سنتين لا شغل لي ألا الغزالة والخلوة والرياضة والمجاهدة اشتغالا بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى، كما كنت حصلته من علم الصوفية، وكنت اعتكف مدة بمسجد دمشق اصعد منارة المسجد واغلق بابها على نفسي، ثم تحرك بي داعية فريضة الحج والاستمداد من بركات مكة والمدينة وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله عليه وسلم، ثم سرت إلى الحجاز ثم جذبتني الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن، وعاودته بعد أن كنت ابعد الخلق عن أن ارجع إليه) وللتصوف مراحل لا بد أن يجتازها الصوفي مرحلة وراء مرحلة، وليس من السهل اجتياز كل منها فأنها تحتاج إلى جهد فائق، وجلد كبير، وقوة مدخرة، وأهم تلك المراحل: العبودية والعشق والزهد والمعرفة والوجد والحقيقة والكشف والوصول إلى الفناء. فأذا أشرقت روح الصوفي، ارتفعت به إلى حيث تكشف له السعادة المطلقة، فيبلغ مرتبة الفناء المطلق للفكرة، وتفهم سر الحياة والموت، والصوفي الذي يجتاز تلك المراحل هو الكامل في إخلاصه وتعبده، وقلما يصل اليها متصوف، بل أننا لا نكاد نحصى ألا طائفة صغيرة ممن استطاعوا السمو إلى هذه المنزلة أولئك الذين خلت نفوسهم من الشوائب وتخلصوا وتطهروا وأقاموا حاجز منيعا بين رغباتهم المادية وغايتهم الروحية العليا. وهناك وسائل يتبعها المجتهدون في التصوف أهمها ثلاث: الانجذاب والعبادة والعروج، ومن يقرأ الشعر الصوفي يذهل لفرط ما يرى. فأن الشعراء الصوفيين يصورون حالتهم النفسية تصويرا رائعاً، ففي شعرهم من الهيام والوجد والعشق ما يكاد يحسبه القارئ لأول وهلة لشاعر أغرم اغراما أفلاطوينا بفتاة. والواقع أن انحدار تلك المعاني لا يكاد يختلف عند الاثنين في شيء ما، فبينما نرى الصوفي يتجه مخلصا نحو ذكر الله بالتوسل والدعاء والابتهال، نرى الآخر يقدس الجمال في معناه الأسمى. لا شك أن الصوفي المنصرف عن الدنيا بكل ما فيها. المتجه إلى الآخرة اتجاها تاما إنما يبالغ في فكرته إلى حد الفناء في اعتناق الفكرة