الكتابية؛ فما لبث الشعر على أيدي شكسبير ومعاصريه من مؤلفي المسرح، وسبنسر وملتون ثم دريدن، أن كسب لغة نقية مختارة، وأشكالاً واضحة بينة، صالحة للتعبير عن شتى الأفكار وتصوير مختلف الحالات النفسية. وضع شكسبير أساس الشعر المرسل، ورفع بعبقريته مكانة ذلك الضرب من الموشحات المعروف بالسونيت، وهوموشح من أربعة عشر بيتاً متداخلة القوافي على هيئة تبرز الفكرة الوحيدة التي تتضمنها السونيت إبرازاً رائعاً؛ ووضع سبنسر موشحه المنسوب إليه والمكون من أبيات تسعة متداخلة القوافي آخرها أطول عروضاً من سائرها، مما يجعل أداة صالحة للقصص الشعري الرصين
وجاء ملتون فأدخل الملحمة في الشعر الإنجليزي الحديث: والملحمة أعظم ضروب الشعر شأناً، وأكثرها كلفة، وأبعدها منالاً لما تحتاج إليه من طول التوفر، وعمق البصر بالأدب، واتساع الثقافة، والتضلع من اللغة، والتمكن من الأساليب الشعرية، وامتداد الخيال؛ وقد قدر كولردج الزمن اللازم لإنشاء ملحمة بعشرين عاما: ينصرف الشاعر في عشر منها إلى الاستعداد والتحضير؛ وبتوفر في عشر على الإنشاء والتجويد؛ وجاء دريدن عقب ملتون فوطد أساس ضرب آخر من النظم يدعى الأود أو القصيد الخطابي، يمتاز بوعورة عروضه وقوافيه، ويوجه الخطاب فيه عادة إلى شيء مخصوص أو فرد معروف أو ذكراه؛ ورفع دريدن كذلك مكانة (الدوبيت) في الشعر الانجليزي، أعني القصيد المؤلف من أبيات ثنائية القوافي، محكمة الوزن، مصقولة اللفظ؛ وهو الضرب الذي تلقفه عنه بوب فزاده صقلاً وإحكاما، وساد من بعدهما القرن الثامن عشر
توطدت دعائم الشعر وتميزت أشكاله فجاء دور النثر، وهو دائماً متأخر عن الشعر في الظهور، ودعت الأحوال السياسية والاجتماعية التي سادت القرن الثامن عشر إلى احتفاء الأدباء والمثقفين بالنثر: فقد كانت النظم الدستورية قد استتبت، والرأي العام قد تكون، والطبقة الوسطى قد تعاظم شأنها، والحركة العلمية قد نشطت بعد ما اقتبسته إنجلترا من علوم أهل القارة، والصحف قد انتشرت معتمدة على الرأي العام والطبقة الوسطى، وقد غبر عهد المخاطرة والجهاد الذي تجلى في حكم اليزابيث وثورة المطهرين، ألهب خيال الشعراء، وجاء عهد الإصلاح والعمل الرزين في الداخل والخارج