وفي أول ذلك القرن كان النثر الإنجليزي حطاماً مبعثراً من الألفاظ المتنافرة والتعابير المتعثرة، والأساليب العامية، وزخارف اللفظ، وبهارج المعنى، والتقليدات الفاشلة للأسلوب اللاتيني المتطاول الجمل؛ فما لبث دريدن وكاولي أن هذبا من حواشيه وقوّما من معوجه، ونقياه من الغريب والسوقي، فظهر النثر الإنجليزي الحديث المعروف ببساطة ألفاظه، ولطافة مأخذه، وسلاسة تعابيره؛ ثم تلاهما اديسون وسنيل فوطدا دعائم (المقالة) في الصحف التي تعاونا في إصدارها، فإذا المقالة شكل من أشكال الأدب جم المزايا. فهي تدور حول فكرة مفردة تكون وحدتها وتجمع شتى الأفكار الثانوية، وتتناول ما شاء الكاتب أن يدرسه من مسالة اجتماعية أو نقد أدبي أو حالة نفسية، أو نظرة في الفنون
ومن المقالة نمت بذور شكل آخر من أشكال النثر دعت أليه طبيعة ذلك العصر: هو القصة التي تكونت من اجتماع عدد من المقالات تدور حول شخصيات معينة، فما لبث الذوق العام أن استطرفها وكان قد مل الرواية التمثيلية، فحلت القصة محلها في تصوير المجتمع ودرس الأخلاق واستكناه دخائل النفس الانسانية، وتوفر عليها من كبار الكتاب أمثال ريتشاردسن وجولد سميث، وجين اوستن، فاحكموا أوضاعها، وهذبوا حوارها ووضحوا شخصياتها، وأسلموها إلى القرن التالي شكلا من أشكال الأدب جم المزايا مبشراً بمستقبل حافل
وكأن النثر لم يقنع بهذا الضرب الخيالي من التأليف، وآثر أن يجعل من الحقيقة الواقعة مادة للفن كما جعل من القصص الخيالي، ويتخذ من الماضي مراداً له كما اتخذ من الحاضر، فالتفت إلى التاريخ، وكان من قبل يدون باللاتينية أو بإنجليزية ملتوية التراكيب مختلطة الحقائق بالأوهام والاكاذيب، فبعث فيه الروح الفنية التي شملت نواحي الأدب ونفخ فيه النزعة العلمية التي تمشت في سائر العلوم، ولم ينصرم القرن إلا وقد ظهر اكبر اثر تاريخي في اللغة، وهو كتاب جيبون عن الدولة الرومانية، وإذا النثر الفني قد كسب شكلا جديداً هو التاريخ الفني للعصور أو الوقائع أو الأبطال
وهكذا صار الأدب الإنجليزي أدباً رفيعاً متسع الجوانب متميز الأوضاع متعدد الأشكال، مشتملاً على أرقى ما لدى الأمم الأخرى من الصور الأدبية، يقدم لممارسيه ما يختارونه من أشكال الأدب ملائماً لطبائعهم، ولقرائه ما يؤثرونه موافقاً لأذواقهم، وورث القرن التاسع