عشر عن القرنين السابقين له تراثاً ضخما من أشكال المنظوم والمنثور وآثار الفحول فيهما، فلم يكد يحس حاجة إلى استحداث أشكال أخرى، بل انصرف إلى استغلال ما بين يديه منها، ولاءم بين بعضها وبين حاجاته، وآثر بعضاً منها على بعض: فعالج وردزورث وتيسون الشعر المرسل، وعالج سوذي وموريس وهاردي الملحمة واختلفت حظوظهم من النجاح، واستغل هازلت وثكري وماكولي المقالة في النقد الأدبي، وعالج ماكولي وكارليل التاريخ. وهجرت الرواية التمثيلية الشعرية وحلت محلها أخرى نثرية أكثر التزاما للواقع وملاءمة لحاجة العصر، وتعاظمت مكانة القصة الطويلة والقصيرة حتى فاقت ما عداها، والتفتت إلى تصوير المجتمع الجديد القائم على الصناعة والمخترعات
أما تاريخ الأدب العربي منذ نهضته بقيام الإسلام وتوطد دولته، ودخوله في طور الحضارة والثقافة، فمغاير لهذا: فقد ورث عن الجاهلية لغة قوية غنية تبشر بمستقبل عظيم، وشعراً رصيناً محكم الأوزان متعددها موطد الأركان ممهد الأساليب مؤذنا برقى إلى ابعد الغايات، فإذا الأدب يجمد في أول الطريق، ويجتزئ بماضيه عن مستقبله، ويطوي زهاء خمسة قرون من عهود الحضارة والثقافة، فلا يتفرع كما تفرع الأدب الإنجليزي إلى أشكال متميزة ذات خصائص واضحة، بل يظل كل من الشعر والنثر سديماً مشوشاً كما كان في أول بدئه، وينبغ من فحول العربية أمثال ابن المقفع والجاحظ وابن الرومي والمتنبي والمعري، فلا يعنيهم غير تقيل السلف فيما درجوا عليه من مناهج القول، ولا تتوطد على أيديهم أشكال جديدة للنظم والنثر، ولا يؤدون للعربية الخدمات الجلي التي أداها للإنجليزية أبناؤها
طوى الأدب العربي عصور ازدهاره وهو يضرب على نغمة واحدة في النظم وأخرى في النثر؛ ففي النظم ظلت القصيدة المفردة القافية، غير المحدودة الطول، غير الموحدة الفكرة، غير المعروفة العنوان، هي الشكل الشعري الوحيد، يصوغ فيه ابن القرن الخامس أفكاره كما صاغ الجاهلي أفكاره من قبل؛ وفي النثر ظلت كتب الأدب المبهمة العناوين المشتجرة الفصول والفقرات المتباعدة المواضيع، المختلطة النظم بالنثر، والأدب بالدين، والقصص بالنقد، وهي الضرب السائد منذ انتشرت الكتابة إلى أن خمد الأدب
وفي الشعر ابتكرت الموشحات، فلم تكن غير زخارف من القوافي ينمقها الناظم كما شاء دون أن تكون أوضاع قوافيها معينة على إبراز المعاني، ولم ينتشر استعمال تلك