الموشحات واقتصرت على من ضروب الشعر الوجداني الضئيل الحظ من المعنى. قال ابن رشيق:(وقد رأيت جماعة يركبون المخمسات والمسمطات، ويكثرون منها، ولم أر متقدماً حاذقا صنع شيئاً منها لأنها دالة على عجز الشاعر وقلة قوافيه وضيق عطنه. . . وهذا الجنس موقوف على ابن وكيع والأمير تميم ومن ناسب طبعها من أهل الفراغ والرخص)؛ وفي النثر ابتكرت المقامة فإذا هي أشد من الموشح احتفاء باللفظ، وإذا هي لا تفوقه ذيوعا ونجاحا، وحاكته عقما فلم ينتج عنها ابتكار جديد، كما مهدت المقالة في الإنجليزية السبيل مثلاً للقصة
فإذا بحثت في الأدب العربي عن أشكال أدبية متميزة متعددة لم تجدها، وإنما ظل الأدب كما بدأ سديما مختلطا متشابها: ارتقت معانيه وتعددت أغراضه ورقت ديباجته، ولكن جمد شكله فلم يتحول إلى أشكال جديدة، وظل النقاد لا يقسمون الأدب إلى أكثر من نظم ونثر ثم يقفون، ويفاضلون بين النظم والنثر مفاضلة ليس لها موضع ولا هناك ما يسوغها؛ فأن أرادوا التوسع فاضلوا بين الرجز والقصيد، وقدموا شاعرا على شاعر لبراعته في الطول أو في القطع، وهي مفاضلات كذلك لا موضع لها ولا مبرر، لأن هذه الأشياء متقدمة الذكر ليست بأشكال للشعر متميز كلٌّ منها بخصائص في الأسلوب أوفي الموضوع، تجعل شكلا منها أصعب على الشاعر المعالج من شكل آخر أو أبعد متناولا
وإنما جنح بالأدب العربي إلى هذه الحال من الجمود الشكلي التي لا يجد معها جديد، ولا يحل طريف محل عتيق، ولا يتسع أفق الأدب ولا تتشعب مناحيه، عوامل تقدمت الإشارة إليها مراراً وكان لها أبعد الأثر في تاريخ العربي، بل كان لها فيه ضرر بليغ، إذ باعدت بينه وبين أن يكون دائما تعبيرا حرا صحيحا عن شعور الفرد والمجتمع، متطورا مع حاجات الأجيال وتجدُّد شؤون الحياة، وتلك هي تغلب روح المحافظة على روح التجديد فيه، واعتماده على تشجيع الملوك، واعتزاله الآداب الأخرى، واحتفاله باللفظ قبل المعنى
فلو عنى أدباء العربية بدراسة الآداب الأخرى حق العناية لا طلعوا على أشكال للأدب تستحق أن تنقل إلى العربية فتكون باعثا على ابتكار غيرها. ولقد اهتدى الأدباء الإنجليز في كل ابتكاراتهم سالفة الذكر بهدى الأمم الأخرى: فالسونيت اقتبسوها عن بترارك، والشعر المرسل أخذوه عن الدرامة الإغريقية، والأود نقلت عن بندار، والملحمة تأثر فيها