الأمراء قانعين أن يقال فيهم مثل ما قيل فيمن قبلهم من الملوك الفخام وكما قيل في أولئك الملوك، فكان حسب الشاعر أن يقتفي أثر من قبله ويحذق وسائله في اقتناص معاني المديح
أما فحول الإنجليزية فكان معظمهم بمنجى من هذه الحاجة الملحَّة، ومعتصم من حياة الفلاكة واللذاذة التي كان يحياها كثير من أدباء العربية، وكان لهم بفضل كدِّهم في سبيل الحياة أو بفضل ما ورثوه من ثروة غنى عن سؤال الأمراء، ومتَّسع من الوقت للاعتزال في صومعة الفن الخالص من شوائب المادة، بل كان منهم أفراد كوردزورث وشلي وتنيسون عاشوا في رغد دون أن يعملوا في حياتهم عملاً سوى أن يقرءوا يكتبوا ما يسر نفوسهم ويرضي الفن وحده. ولا ريب أن أمثال هؤلاء أشد رغبة في التجديد والاختراع، وأقدر على القيام بالتجاريب الأدبية في الأشكال والصيغ والمواضيع، ممن يقضون العمر نظماً للمدح والسؤال وترقُّباً للرضى والأنعام. وقد فطن ابن رشيق في عبارته السالفة إلى ضرورة اتساع الفراغ للتفنّن في ضروب القول، وإن يكن قد قرن ذلك بذكر الرخص وأضافه إلى البطالة والعبث
فالأدب الإنجليزي ظل دائماً على صلة بالحياة وحقائقها، يعينه على ذلك ما به من روح التجديد، وما اخذ نفسه به من التزود من الآداب الأخرى، وما تمتع به أقطابه من وقت قصروه على فنهم والحياة دائبة التحول والتجدد، فلا ندحة للأدب إذا توثقت صلته بها عن تحول أشكاله وتجدد صورة
وأزيائه. أما الأدب العربي فباعد بينه وبينها تلك العوامل السالفة الذكر؛ فلا غرو أن جمد فلم تتجدد أشكاله مع مرور الزمن، وتحول الأدب الإنجليزي في قرنين من أدب ناشئ مختلط الأوضاع إلى أدب راق متجدد الصور متعدد الأشكال