للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تكون من الأعراض، أو كما يقول بعض الأطباء إذا هم لبسوا جلد العلماء: (بأجمل ما تكون الأعراض) وهذا نصر مبين! نصر لا يأتيه الشك من أي جهاته؛ فأن أحداً من هؤلاء الرجال لم يقترب يوماً من حيث يكون الوباء، وأخذوا فعوملوا معاملة الخنازير الغينية والفئران والأرانب التجريبية فحبسوا طويلاً في كيمادوس في خيمات مستورة لا يصنعون شيئاً ولا يرون أحداً، ولم تحدث لهم أحداث إلا شكات في أجسادهم شكتهم إياها إناث البعوض المقلمة ظهورها بالفضة. وكان الضجر لاشك قاتلهم لولا أنهم كانوا جهالا مغرقين فلم يكن بينهم وبين الحيوان فارق مبين

كتب ريد إلى زوجته يقول: (افرحي معي يا حبيبتي، فإنك لو استثنيت لقاح الدفتريا وبشلة السل التي اكتشفها كوخ، فهذا الكشف العلمي الذي وجدناه سيروى للأحفاد بأنه أكبر كشف حدث في القرن التاسع عشر. . .)

لم يكن ريد في السبيل التي اتخذها مبتكراً، ولكن دقته هذه بلغت حداً تنهض به إلى طبقة المبتكرين، فهو لا شك مبتكر في دقته، وقد كان في مقدوره أن يقف من بحثه عند هذا الحد، بل لعلك مقسم أن قد سولت له نفسه الوقوف عند هذا الحد، ولِمَ لا وهؤلاء ثمانية جاءتهم الحمى من قرصات البعوض؟ ألا أي حظ هذا الذي صحب ريد فلم يمت من رجاله الثمانية غير واحد؟

على أن ريد لم يقف عند هذا الحد، وأخذ يتسأل: (. . . ولكن أيجوز أن تنقل الحمى عن طريق غير البعوض؟)

واعتقد الناس أجمع أن ملابس الموتى من الحمى وأفرشتهم وكل ما يمتلكون يحمل الموت في طياته، فأحرقوا من أجل ذلك من الأفرشة والملابس ما بلغت قيمته ملايين الدولارات. وارتأى هذا الرأي رئيس الأطباء، وأرتآه كل طبيب له اسم في أمريكا شماليها وجنوبيها وأوسطها إلا الشيخ المخبول فنلى. وتشكك فيه ريد. وبينا هو في سرور من نجاحه في عدوى كيسنجر والأسبانيين المهاجرين جاء النجارون فنصبوا بيتين صغيرين دميمين في معسكر لازار. وكان البيت الأول أقبح البيتين، طوله أربع عشرة قدما في عشرين عرضا. وكان له بابان في مدخله، نصب أحدهما في حذقٍ خلف الآخر حتى لا يفلت منه البعوض. وكان له نافذتان تطلان على الجنوب فتحا والباب في حائط واحد حتى لا يجري في هواء

<<  <  ج:
ص:  >  >>