للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فحملا معهما صناديق أخرى وردت من عنابر الحمى الصفراء، فلما فضها فوك وكوك وجرنجان فزعوا إلى خارج عجزاً عن احتمالها ولكنهم عادوا ورقدوا وناموا. . .

وقضوا على هذا عشرين ليلة! فأين ذكراهم لا تُخلَّد، ولِمَ صنيعهم لم يُمجّد! ثم نقلوا وعزلوا وحدهم في خيمة طلقة الهواء وانتظروا أن تأتيهم الحمى: ولكنها لم تأتهم، وزادوا وزناً وصحوا أجساماً وقرقعوا بالنكات على البيت القذر الذي شرفوه، وعلى ألحفته وملاءاته التي تلفعوا بها فيه. ولما جاءتهم الأخبار بان كيسنجر والأسبانيين أصابتهم الحمى ضحكوا ملء أشداقهم كتلاميذ المدارس أن تكون الحمى جاءت هذه الأجسام الكبيرة من عضة بعوضة صغيرة

قد يعجبك هذا البرهان إعجابا شديدا، ولكن أي تجربة فظيعة تلك التي ساقت إليه، على أنه لم يكف ريد فلم يرضه علمه ولم تقتنع به لوثته

فأعاد الكرة، فأدخل إلى تلك الحجرة ثلاثة آخرين من شباب أمريكا، وجاءهم بملاءات وألحفة جديدة القذر جديدة البشع وعلى هذا أنامهم عشرين ليلة؛ وأراد أن يزيد في رفاهيتهم فأنامهم في نفس الأقمصة التي مات فيها المصابون

ثم عاد بعد ذلك فأدخل ثلاثة شبان امريكيين آخرين في نفس هذا البيت، وأرقدهم فيه عشرين ليلة على نفس الأسلوب مع فرق بسيط زاد التجربة دقة: ذلك أن غطى ووسائدهم بفوط أُشربت قبل ذلك من دماء رجال ماتوا بالحمى

وبرغم كل هذا بقي كل هؤلاء الرجال التسعة أصحاء فلم تنلهم مسة ولو خفيفة من الحمى. قال ريد: (ما اعجب العلم؟).

وكتب: (إن الأسطورة الكاذبة التي تقول بأن الملابس تنقل الحمى الصفراء قد انفقأت كما تنفقئ فقاعة تخزها بدبوس). ولقد صدق ريد، فما أعجب العلم حقا! ولكن كذلك ما أقساه! وما أقسى صيادة المكروب! فهي قد تنزع من الباحث قلبه. وأخذ شيطان ريد الباحث يوسوس إليه: (ولكن أصادقة حقاً تلك النتائج التي أدت إليها تجاربك)؟ نعم إن الحمى لم تأت أيا من هؤلاء الرجال الذين ناموا في هذا البيت، ولكن ما أدرانا أنهم بطبيعتهم حصينون من الحمى، فهي لا تأتيهم أبداً؟ وكان ريد وكارول سألا فوك وجرنجان أمرا هو أقصى ما سأله ضابطا جنديا فأجاباهما إليه، ومع هذا فقد قام الاثنان من جديد فحقنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>