فوليت هاربا، وآثرت العودة إلى مقارعة الشوك، وجهاد الحياة
عدت فقارعت وجاهدت، فلم أصل إلى شيء. . . فسألت نفسي: هل أيأس؟
سألتها وحدثتها، ولكني جهرت بالحديث، فأيقضت النائمين. . .
أطلت علي النخلة؛ فقالت: إلامَ تجاهد وتناضل؟ ماذا تريد أيها الرجل؟ ألا تقنع مثلي بأن تقف في مكانك حتى يأتيك الموت؟
قلت: لا. إن لي غاية واحدة، هي أن أبقى دائما أجاهد وأناضل!
فضحكت وقهقهت أوراقها، وعادت إلى منامها
ومدت القبة رأسها فقالت: ألا تنام مثلي أيها الفتى وتحلم؟ لماذا تعدو في طريق القبر؟ قلت: إني أحب أن اصل إلى القبر لأني سأخرج منه إلى الفضاء الواسع؛ سأخلع فيه ثوبي الجثماني ثم أنطلق صُعُدا
فذهبت وهي تحدث نفسها: ينطلق صعداً؟ أنا هنا منذ ألف ومائة سنة ولم انطلق صعداً، ثم رجعت إلى المنام
وقالت دجلة وقد صفق لي ماؤها سروراً:
- امض أيها الغلام امض؛ إن طريقك طويل، ولكنك قوي؛ إنك لا تمشي إلى القبر لتفنى، ولكن تدخل من باب القبر إلى عالم الخلود، هأنا قد بلغت من العمر سبعمائة وخمسين ألف سنة، ولكنك قد ولدت بعقلك قبلي، وستعيش بروحك من بعدي. . . انطلق. . . انطلق إلى حياة الخلود؛ إنك ستبقى بعد أن تموت الجبال، وتغرق البحار، ويختنق الهواء. . . وتدفن الصحراء!
وأمن القمر على كلامها، وأطلَّ عليّ من النافذة فصافحني بشعاعه وقال!
لقد صدقت! إنك تعيش ألان لتعد العدة للحياة. . . إنك ستحيا حقاً حين تنطلق من قيود الجسم
ثم صمت. . . وصمت!
وكان العام يقطع اللحظة الأخيرة. . . فصحت به:
أنا الذي يهتم بك أيها العام. . . أنا الذي يودعك ويستقبل غيرك، لا النخلة ولا القبة ولا دجلة ولا القمر. . . تلك للفناء، وأنا للبقاء. . . تلك تنتظر الموت، وأنا انتظر الحياة. . .