ثلاثة في هيئة أطفال بأجنحة يحملون الأزهار، وحولها وقفت أربع قديسات ينظرن إلى القديس الدفونسو وهو راكع أمامها، وهي في مجموعها تبين إلى حدٍ بعيد نبل الإخراج وقوة التعبير. وإذا تأملنا وجوه هذه القديسات وملابسهن نراها تعطينا فكرة صحيحة عن ناحية القوة البنائية في إنشاء روبنز
أما الصورة الرابعة (حكم الراعي باريس) فهي توضح لنا إلى أي حد وصل علم روبنز بالتاريخ القديم وبالقصص الإغريقي؛ فباريس هذا كان شاباً وديعاً يرعى الغنم، صادفه في طريقه ثلاثة آلهة هن هيرا واثينا وافروديت في هيئة نسوة غاية في الجمال، وسألنه أن يعطي التفاحة التي بيده إلى أجملهن منظراً. فأجاب باريس سائلاً ماذا يكون جزاؤه؟
وعدته هيرا بأن تمنحه الملك والغنى - وأثينا بمنحه الحكمة والشهرة - وأفروديت بأجمل النساء على الأرض إطلاقاً! تريث باريس وأخيراً أعطى تفاحته إلى أفروديت (راجع إلياذة هومير ٢٨: ٢٤)
أنظر إلى باريس وهو يمثل التريث والحيرة في الاختيار؛ ثم انظر إلى كل واحدة منهن ثم إليهن جميعاً، فكل واحدة أبرع من الأخرى جمالاً، ثم لا تلبث أن يستلفت نظرك ما فيها من قوة لا تزال إلى اليوم مطمح الفنانين
فكر قليلاً في العصر الذي مثل فيه روبنز هذه القصة الإغريقية الخرافية! أليس عجيباً أن يوفق روبنز إلى هذا الحد الذي يدعو إلى الدهشة والاستغراب؟ ألا تراه وفق كل التوفيق في تصوير هذه القصة الرائعة؟ أعطى تفاصيل الجسم كل عنايته، فكانت أية في جمال التناسب وعظمة الانسجام. لا ترى للتكرار فيها أثراً. إن متحف مدريد يحسد حقاً على احتوائه هذه التحفة الفنية، ولعل الحرب الداخلية لا تكون سبباً في أن يتسرب التلف إليها كما تسرب إلى غيرها في هذه الأيام بأسبانيا
وتعد لوحته الممثلة لأحد مواقف رواية اشيللوس تاتيوس في القرن الخامس قبل المسيح والمسماة لوسيبوس وكليتوفون من أروع وأبدع اللوحات
أنعم النظر إلى مظهر المرأتين المخطوفتين وإلى ما ظهر عليهما من علائم الوجل والتوسل، وكيف استطاع روبنز أن ينفث فيها من روحه وعبقريته، وتأمل كيف ينظر الحصانان إلى هذا الموقف الخطير كما لو كانا يتحفزان للهرب، ثم إلى قوة عضلات