ولم تحس بأي إحساس من الحزن عندما قضى بعلها نحبه بعد ثلاث سنين من زواجهما. بل انبسطت أساريرها، وسرت لزوال تلك العقبة الكؤود التي كانت تقف حائلاً بينها وبين أمالها وأمانيها
كذلك لم تكن بالمرأة التي ترى أن الشرف في الحياة هو العمل على تحصيل القوت من سبله المشروعة، بل كانت من النساء اللواتي يسلكن أي سبيل للوصول إلى الحياة الرغدة الهانئة؛ ولا غضاضة في أن تهب جسدها متعة لمن يشاء مادام يجر عليها ذلك ما ترغب من أطايب العيش ولذائذه. ولذا عهدت بطفلتها إلى مرضع، ثم إلى مربية، ومن ثم إلى مدرسة داخلية، واتبعت أهواءها وما تمليه عليها رغباتها ومطامعها. راحت تخبط في ذلك العالم العابث الصاخب مع من يقع في يدها من الرجال
ولما أتمت ابنتها الثانية عشرة ألحقتها بمدرسة خارجية، ثم بأخرى، ومضت لا تعنى بتتبع أخبارها، ولا تهتم لترسم خطواتها؛ فكان لهذا ابلغ الأثر في إفساد الفتاة وإتلافها إلى أن بلغت الثامنة عشرة فبدت جميلة فاتنة. . . ففكرت أن تسلخها من دور العلم وأن تبقيها في المنزل، إلا إنها الفتها منافساً خطراً وأليفاً ينقص من قيمتها في سوق الجمال
ولا ننكر إنها كانت تنظر إلى ابنتها كمجرد طفلة، ولكن عندما تكون المرأة في السابعة والثلاثين، وترى نفسها تبدو كأنها في السابعة والعشرين، لا ترضى بأية حال أن تكون لها ابنة حسناء فاتنة في الثامنة عشرة
وكانت الابنة حقاً فاتنة، ولم تكن تلك الحقيقة لتغيب عن المرأة. . . غير إنها كانت تبدو دائماً دمثة الأخلاق مهذبة. . . ولم تبدر منها طوال حياتها أية بادرة تؤخذ عليها، بل كانت تعامل أمها بما كانت تتلقنه من ضروب الأدب وحسن الأخلاق
وفتح الباب آنئذ ودخلت الفتاة تقول لامها في صوت ثابت رزين مشوب باحترام شديد:
- لقد أفرغت حقيبتي يا أماه. . . هل آخذ (بوجو) إلى الحديقة لنتنزه قليلا؟
يا للجمال الرائع! ويا للحسن الخلاب! كانت طويلة القامة في مهابة وجلال، ناضجة الأنوثة، مستكملة لكل معاني الجاذبية
وجابهت المرأة الحقيقة المرة، وصدمتها الرؤيا الحقيقية القاسية. . . روعتها تلك المنافسة الخطرة. . . رأت من غير جهد جاذبية قوية وجمالاً باهراً، فأحست بنيران الغيرة تضطرم