فجلست الفتاة قبالتها وتفرست فيها أمها فترة طويلة وهي صامتة؛ ثم خرجت من صمتها أخيراً وآخذت تسرد عليها تاريخ حياتها في شي من الإسهاب. . . مالت إلى الخلف في مقعدها وقصت عليها تلك الأسباب التي دفعت به إلى هذه الطريق الوعرة التي تنساب فيها، وتلك الحياة الشائكة التي تحياها
وعندما انتهت من قصتها خيم على الغرفة صمت رهيب أطرقت أثناءه الابنة وأخذت تنظر إلى الفرش الثمينة التي ازدانت بها أرض الغرفة
غير أن الأم استأنفت تقول:
- وها أنت ترينني وقد بلغت السابعة والثلاثين من عمري، فإذا كنت ترغبين في حياة رغدة هانئة فدعيني اشق لنفسي الطريق التي أراها أجدى لنا وانفع
فرفعت الفتاة رأسها في سرعة وقد شع من عينيها الزرقاوين بريق غريب لم تستطع الأم أن تدرك معناه
فترددت المرأة طويلاً قبل أن تتابع الحديث. وساءلت نفسها. . ترى هل أدركت ابنتها معنى ما قصته عليها. . إنها تجلس أمامها هادئة رزينة، في تأدب واحترام كطالبة صغيرة ساذجة واستطردت قائلة:
- والآن، هل فهمت ما أرمي إليه؟ وهل تفقهين ما أبغي إذا قلت لك إنه يتحتم عليك الخروج من الميدان ردحاً من الزمن؟ فهناك رجل جديد. رجل غني واسع الثراء. . . وإني أحوك حوله شباكي هذه المرة. لا لشيء سوى أن اقترن به. إني أعمل يا ابنتي كي أوفر لك، ولي أيضاً أسباب السعادة والهناءة. وسوف يأتي هنا هذا المساء. فيجب ألا تظهري أمامه. . . وليس ذلك لأنك تظهرين حقيقة عمري فحسب، بل لأني أيضاً لا أستطيع الثبات بجمالي أمام سحرك؛ وليس هناك من الرجال من يقوى على رؤيتنا معاً - أنا وأنت - في غرفة واحدة دون أن يفتنه حسنك
فهبت الفتاة واقفة بغتة وهي تقول صارخة:
- أمي!!
واختفت دلائل الطهارة والبراءة والأدب الجم والحياء الشديد، اختفت كل تلك الدلائل وحل محلها بريق غريب في العينين الزرقاوين. تبدلت بضحكة ثائرة صاخبة تحشرجت في