للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قهواتهم) أو (مقاهيهم). كما يريدوننا أن نسميها - قلما تكون إلا في بستان أو كما يقول ابن الرومي:

(في) ميادين يخترقن بساتي ... ن تمس الرؤوس بالأهداب

ولا اعرف كما قلت تعليلا لهذا الاختلاف في الطباع؛ واحسب أن اعتدال جو بلادنا على العموم يحمل على الرضى بالموجود ولا يغري بغشيان غيره. ولماذا يشتاق ساكن المدينة إلى الريف وليس في المدينة ما يزهده فيها ويدفعه إلى الخروج منها والتماس ما هو أخف محملا، واكفل براحة النفس وسكينة الأعصاب؟ ومما يساعد على القناعة ويبعث على القعود أن التنوع مفقود؛ فالذي يترك القاهرة لا يتوقع أن يستفيد متعة يخطئها فيها؛ والمناظر في الريف واحدة أو هي متشابهة، فلا جبال هناك ولا غابات ولا إحراج، ولا غير ذلك مما يحرك الخيال فيحرك النفس، ولا اختلاف هناك يجعل للنقلة لذة ترجى. والريف من مصر قريب، فهو معروف غير مجهول. والصحراء حولها من بعض جهاتها فلا موجب للتخيل، ولكن الإنجليزي شانه غير شاننا، فان جو بلاده دائم التقلب، وهو مع تقلبه السريع سخيف غير مأمون؛ وقد يكون هذا مما يدفع الإنجليزي إلى اشتياق الريف ويغريه بتصور سحره ويبعثه على التماسه ونشدانه حتى ولو تكررت خيبة أمله فيه

وأمم البحر الأبيض شبيهة بنا من حيث المزاج، وجوها اقرب إلى الاعتدال من جو الشمال؛ ومن هنا فيما أظن مشاكلتها لنا في هذه الطبيعة، ولست أرى وجوه الاختلاف تؤثر في هذا

ولا نكران إننا تغيرنا. فكثر بيننا الذين يطلبون الريف أو الصحراء ويؤثرونهما على المدن، ولكننا نفعل ذلك على سبيل التقليد ومن قبيل المحاكاة ويفضل التثقيف الحديث والاتصال الوثيق بالغرب لا بدافع من الفطرة وحافز من الطبيعة. ومثلنا في هذا أمم البحر الأبيض فقد ذهبت تقلد أمم الشمال كالإنجليز والاسكندناويين والألمان، وراحت تتكلف حب الطبيعة حتى لصارت تبدو كأن هذا فيها طباع، وما هو بذاك

إبراهيم عبد القادر المازني

<<  <  ج:
ص:  >  >>