للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مثيل لهما، وصمت الرواية الإسلامية في هذا الموطن لا يمكن أن يحمل على انه صمت تحفظ وإغضاء، لان الرواية الإسلامية تقدم إلينا ثبتاً حافلا من الخلفاء الذين ولدوا من أمهات من النصارى، وفي مقدمتهم عبد الرحمن الناصر اعظم خلفاء الأندلس

وتقدم إلينا الرواية النصرانية بعض تفاصيل عن حياة هذين الحبرين الكبيرين اريسطيس وارسانيوس صهري الخليفة العزيز بالله؛ فتقول لنا أن الطائفة الملكية اشتد ساعدها في عصر العزيز من جراء هذه المصاهرة الملوكية، ووضعت يدها على بعض كنائس اليعاقبة؛ وأن البلاط الفاطمي في أوائل عهد الحاكم بأمر الله، وفي عهد مدبر دولته برجوان الصقلبي، انتدب اريسطيس بطريرك بيت المقدس ليكون سفير الحاكم إلى قيصر قسطنطينية باسيل الثاني في سنة ٣٩٠هـ (سنة ١٠٠٠م)، ولكي يعمل على عقد الهدنة والصداقة بين مصر والدولة البيزنطية بعد أن استطالت الحرب بينهما في الشام منذ عهد المعز لدين الله؛ فسار اريسطيس إلى قسطنطينية مع رسل القيصر، وقام بالمهمة، وعقدت بين مصر والدولة البيزنطية معاهدة سلم وصداقة لمدة عشر سنين، وأقام اريسطيس في عاصمة بيزنطية أربعة أعوام حتى توفى في سنة ٣٩٤ هـ

أما ارسانيوس فانه لبث بطريركا للملكية زهاء عشر سنين؛ وكان في أواخر أيامه قد اعتزل الحياة، في دير القصير الذي شيد في بعض ربى المقطم، وعكف على النسك والتعبد؛ وفي سنة ٤٠٠هـ (١٠١٠م) حينما اشتدت موجة الاضطهاد الديني التي أثارها الحاكم بقوانينه الصارمة ضد النصارى واليهود، أمر الحاكم بهدم هذا الدير الشهير ضمن ما أمر بهدمه من البيع والأديار الأخرى، فهاجمته الغوغاء، وقوضت أبنيته، ونهبت مقتنياته وآنيته، واخرج منه ارسانيوس مع باقي الرهبان الساكنين فيه؛ وقضى ارسانيوس اشهرا أخرى في بعض البيع حزيناً على ما أصاب قومه من الخطوب؛ وفي ذات ليلة من شهر ذي القعدة سنة ٤٠٠هـ نفذ بعضهم إلى مكانه المتواضع وقتلوه سراً، واحتوت ابنة أخته ست الملك على ما كان له من المال والثياب والذخائر المقدسة. ولم تحدثنا الرواية عمن قتله أو من أمر بقتله، بيد أن في هذا الحادث نفسه ما يبعث إلى الريب في قرابة الحاكم بأمر الله بالحبر المقتول

تلك هي قصة زوج العزيز أو سريته النصرانية وقصة أخويها الحبرين البطركين؛ وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>