أنها أم الحاكم؛ فيقول لنا يحيى الانطاكي مثلا، وهو مؤرخ معاصر تقريبا:(وفي شهر رمضان سنة خمس وسبعين وثلاثمائة صير اريستس خال السيدة ابنة العزيز بالله بطريركا على بيت المقدس، أقام عشرين سنة ومات بالقسطنطينية، وصُير أخوه ارسانيوس أيضاً مطرانا على القاهرة ومصر). ويقول لنا المكين بن العميد في صراحة ووضوح:(أن العزيز بالله صاحب مصر تزوج امرأة نصرانية ملكية ورزق منها بنتا؛ وكان للمرأة أخوان أحدهما اسمه ارميس (اريستس) صيره بطركا على بيت المقدس، والآخر أرسانيس صيره بطركا للملكية على القاهرة ومصر؛ وكان لهما من العزيز جانب لأنهما أخولة ابنته)، وهذا بينما تلزم الرواية الإسلامية الصمت إزاء هذه المسالة كلها، ولا تشير إلى أم الحاكم إلا بأنها (الست العزيزية). بل نرى المقريزي يشير إلى ارسانيوس وولايته لمنصب البطريركية دون الإشارة إلى أنه صهر العزيز أو خال ست الملك. ومما يبعث إلى التأمل انه إذا كانت السيدة النصرانية هي أم ست الملك، فأن العزيز يكون قد تزوجها أو تسراها وهو ولي عهد بالمغرب قبل سنة ٣٥٩هـ - وهو تاريخ مولد ابنته - ففي أي ظروف حصل هذا الزواج أو التسري؟ وفي أي ظروف وقعت هذه الجارية الرومية المصرية في يد البلاط الفاطمي بالمغرب؟ هذا ما لا توضحه لنا الرواية، ومن جهة أخرى فان الرواية الكنسية (القبطية) المعاصرة هي التي تنفرد بالقول بان هذه السيدة هي أيضاً أم الحاكم، هذا بينما تكرر الرواية النصرانية المعاصرة والمتأخرة إنها هي أم ست الملك فقط؛ ولو كانت نفس الأم هي أم الحاكم، وهو الخليفة وشخصيته أهم من شخصية أخته، لما ترددت الرواية في ذكر هذه الحقيقة. وقد ولد الحاكم بعد مولد أخته بستة عشر عاماً (سنة ٣٧٥ هـ) ولم يرزق العزيز خلال هذه الفترة إلا بابن يدعى محمداً وقد توفى طفلاً؛ وفي ذلك أيضاً ما يبعث إلى التأمل
أفلا نستطيع على ضوء هذه الملاحظات أن نرتاب في هذا القول الذي تنفرد به الرواية الكنسية، وأن نعتقد أن هذه السيدة النصرانية هي أماً لست الملك فقط، وأن (السيدة العزيزية) التي تشير إليها الرواية الإسلامية بأنها أم الحاكم هي سيدة أخرى، وإنها هي الزوجة الشرعية؟ هذا ما نميل إلى الأخذ به، خصوصاً إذا ذكرنا موقف ست الملك من النصارى، وهو موقف عطف دائماً وموقف أخيها الحاكم وهو موقف اضطهاد وقسوة لا