للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الثورة، ولو كان فيهم رجل يأنس من نفسه قوة تدفعه إلى الوقوف مع الأستاذ موقف الند للند، لا الطالب أمام معلمه لتغيرت الحال وأحجم الأستاذ احمد أمين عن أن يضرب هذا المثل للتدليل على وجود هذا الإشعاع النفسي موضوع مقاله.

وأن اختلاف تأثير الخطيب باختلاف السامعين والممثلين باختلاف النظارة، لينهض دليلا على ما نزعمه من أن تأثير الأشخاص في بعضهم ليس مرجعه إلى قوة نفسية تشع من نفس إلى أخرى فتؤثر فيها تأثيرا قويا أو ضعيفا، حسنا أو سيئا، ولكن هذا يرجع إلى شعور النفس المؤثر فيها بتخلفها (بحكم طبيعتها أو العوامل المحيطة بها) عن النفس التي أثرت فيها في الخطابة أو الكتابة أو ما شاكل ذلك.

من هذا كله نستطيع أن نقول إننا لا نتأثر بعظيم فنرهبه ونرتعد من الخوف بين يديه، أو خطيب فنصفق له ونحمله على الأعناق، أو محدث فنرهف آذاننا له ونعجب به، إلا لأننا قابلنا العظيم وفي قرارة نفوسنا من شعور بسموه عنا، وسمعنا الخطيب ونحن نشعر بأننا عاجزون عن الوقوف مثل موقفه، والتعبير بمثل تعبيره، وأنصتنا إلى المحدث وقد غمرنا شعور بالقصور عن لباقته، أو مجاراته في حججه، أو الإتيان بمثل حديثه الذي يحمل بين طياته من المذاهب الجديدة والعلوم الحديثة ما نجهل. وليس هذا الأثر ناتجا من صدور أشعة من نفس العظيم أو الخطيب أو المحدث إلى نفوس الناس.

وخلاصة القول إننا لا نقول بحدوث تأثير المؤثر من قوة إيجابية تنبعث، ولكنه يكون بشعور سلبي أو قوة سلبية يحس بها المؤثر فيه حتى ليتوهم أنها آتية إليه من خارج نفسه، والحقيقة أنها تصدر عن نفسه وتنبع منها.

الإسكندرية - عبد الحليم محمد حمودة

(الرسالة)

من أين يأتي شعور العجز والضعة، وقد تلقى الرجل لأول مرة فيثير فيك شعور البطولة والإعجاب، بل قد تراه أو تسمعه وقد سبقت إلى أذنك أخبار وضعت من شأنه، وحطت من قدره، فما هو إلا أن تراه وتسمع له حتى يتغير رأيك ويختلف تقديرك. هل سمعت قول القائل: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) أو هل علمت أن الناس لما رأوا الحجاج يصعد على المنبر أخذوا الحصى ليحصبوه، فما استهل خطبته حتى تساقط الحصى من أيديهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>