للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشعب وإلى نفوس الأمم الأخرى معا:

فقد فطن الأوربيون من عهد الحروب الصليبية إلى ما في الأدب العربي من جمال وعبقرية ومتعة، فتداولوا أقاصيصه وأغانيه وحاكوها في آدابهم الشعبية وخلطوها بها، وترجموا مجموعات منها إلى لغاتهم في شتى الأزمنة، ولم يالوها حفاوة وامتداحا، وعرفوا فضلها في إدخال العنصر الرومانسي في آدابهم العالية، وهي نفس الوظيفة التي أداها أدبهم الشعبي؛ أما موقفهم من الأدب العربي الفصيح فكان خلاف ذلك: فانهم كلما حاولوا دراسته والانتفاع به في آدابهم صدهم عنه ما فيه من غرابة معان متكلفة لا تمت إلى الحياة الصحيحة، ومن زخارف ألفاظ يحتفي بها أدباء العربية كأنها حقائق مجسمة، فإذا ترجمت لم تعد شيئا مذكورا، فرجعوا خائبين وعزوا تلك الغرابة إلى اختلاف عقليتي الشرق والغرب، وما هو كذلك وإنما مرجعها ما خالط الأدب الفصيح من تقاليد جامدة شبيهة بالرموز الدينية، بعدت به عن التعبير عن شعور النفس الإنسانية، شرقية كانت أو غربية

فالأدب العربي العامي قد احتوى من عناصر الصدق في الشعور، وتصوير المجتمع، ووثبات الخيال ما أعوز الأدب الفصيح كثيرا، وهو مع ذلك قد لقي الإهمال والازدراء من المثقفين وخسر الأدب الفصيح معونته في العصور الماضية، وهو أن لم يكن أحرى من الأدب الفصيح بالدرس، واكثر منه فائدة لمؤرخ الأدب والمجتمع فليس دونه تلك الوجوه، وهو خليق بان يدرس معه جنبا إلى جنب، وتجمع أثاره المتخلفة من شتى العصور، ففيها هي ذاتها متعة جليلة، وفيها بجانب ذلك للشاعر والقصصي ما يبعث الإلهام، ويبسط منادح التفكير والقول، ويدني من الطبيعة والصدق

فخري أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>