لسلمتُ تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
واختص الأدب العربي بمواضيع احتفى بها وأدمن طرقها، وكان أكثرها وليد خصائص بيئته، وقلما التفت إليها الشاعر الإنجليزي: كالوقوف بالأطلال، ومناجاة الأطياف، ووصف نحول الجسم وذم المشيب الذي يقعد عن المتعات ويروع الغانيات، والشكوى من الواشي والرقيب والعذول؛ وهذا الأخير راجع إلى انتشار الحجاب وحظر الاختلاط بين الجنسين إلى حد بعد أو قرب في مختلف عصور العربية. وهو أمر جعل مسحة الحزن ولتفجع اظهر في النسيب العربي منها في الإنجليزي، إذ لا مانع في المجتمع الإنجليزي من الاختلاط، ولا رقيب سوى الخلق القوي؛ وكان الشريف الرضي عني هذه الحال في المجتمع الإنجليزي بقوله:
عفافيَ من دون التَّقيَّةِ زاجرُ ... وصَونكِ مِن دون الرقيب رقيب
يختلف النسيبان من هذه الوجوه، ويختلف أدباء كلا الأدبين بعض الاختلاف في النظر إلى الجمال، لاختلاف البيئتين وأثر ذلك في تكوين الجسم: فالأديب العربي في بيئته الحارة يشبب بالعيون الدعجاء والحوراء، والشعور السوداء الاثيثة، والجفون المريضة، والجسم الممتلئ ونؤوم الضحى، على حين يهم الشاعر الإنجليزي بالشعور الشقراء يشبهها بالثلج نقاءً، ويهوى زرق العيون وينفر من الحدق النجل؛ والأديب العربي يشبب بكاعب (بنت عشر وثلاث) كما قال بشار، ولا تكون مثل هذه في الجو الإنجليزي إلا طفلة غريرة؛ والشاعر الإنجليزي آخر من يعجب بصاحبة الشاعر العربي التي يصفها بقوله:
أبتِ الروادف والثديُّ لقمصها ... مسَّ البطون وأن تمس ظهورا
وإذا الرياح مع العشيَِ تناوحت ... نبهن حاسدة وهِجنَ غيورا
يختلف النسيبان من وجه آخر أهم كثيراً: ذلك أن النسيب كسائر فنون القول في الأدب العربي التزم طريقة التعبير المباشر، يعبر الشاعر عن إحساسه الفردي تعبيراً صريحاً ثم لا شان له بسواه، كما عبر جميل عن حبه لبثينة، وتوبة عن حبه لليلى؛ أما في الإنجليزية فيقوم بجانب هذا الضرب المباشر من التعبير ضرب غير مباشر، فيه يتحدث الشاعر عن شعور سواه بالجمال، ويصف جمال غير محبوبته، ومجال ذلك الروايات التمثيلية كروايات أنطوني وكليوباترا لشكسبير، والقصص كقصص وسكس لهاردي، ففي هذه وتلك يصور