يا ليت شعري هل يبيت معانقي ... ويداي من دون الوشاح وشاحه؟
وقد يتفق النسيب العربي والنسيب الإنجليزي من بعض الوجوه: ففي كليهما استعار الشعراء أحياناً أسماء خيالية تكتماً وتعمية عند التحدث عن حبائبهم: ففي العربية فشت أسماء هند وليلى وسعاد مأخوذة عن العرب المتقدمين، وفي الإنجليزية استعملت أسماء جوليا وإلكترا وثيرزا منقولة عن الأدب الكلاسي؛ وفي كلا الأدبين اشتهر نفر من رجال الدين برقة النسيب والبصر بملابسات الحب: ففي الإنجليزية كتب دن وهربرت وسويفت وغيرهم قطعا من أصفى وأنقى ما كتب في النسيب، وفي العربية أثر عن عروة ابن أذينة الفقيه نسيب رائع اشهره أبياته التي مطلعها (إن التي زعمْت فؤادَك ملَّها)، وألف ابن حزم وهو فقيه من بيت فقهاء كتاب (طوق الحمامة) يفصل فيه أطوار الحب ونوازعه، ويبرهن على نظرياته بتجاريبه الخاصة
وقد تناول الأدبان شتى أغراض النسيب بين فارحها وحزينها، وبين الذكريات والآمال، وبين طرب اللقاء ولوعة الفراق، وبين التوجع لغدر الحبيب ولتفجع لوفاته؛ بل تتماثل في الأدبين معان كثيرة جدا من معاني النسيب: فقول الشاعر العربي: (أسرب القطا هل من يعير جناحه؟) له نظير في مقطوعة تنيسون (إلى الخطاف)، وقول كراشو:(وجه لم يصنع من دكان غير ذلك الذي تفتحه يد الطبيعة البيضاء على مصراعيه) شبيه بقول جميل: (إذا ابتدلت لم يزرها ترك زينة)، وقول تنيسون من قصيدته (مود): (لو كنت فانياً منذ قرن لسمع قلبي خطاها على رقتها، ودق وخفق تحت قدميها، وارتد زهراً احمر قانياً) يشبه قول توبة الحميري:
ولو أن ليلى الأخيلية سلّمت ... عليَّ ودوني جندل وصفائح