الخضرة وقد اخضر جميع الغابة؟) ووولر يقول:(اذهبي أيتها الوردة الجميلة إليها، إلى تلك التي تضيع وقتها ووقتي، والتي تعلم حين أشبهك بها كم هي تبدو لي جميلة جذابة. أخبريها - تلك الصغيرة التي يأبى لها الخفر أن يطلع إنسان على مفاتنها - أنك لو نبت في القفار الموحشة لذويت دون أن يطري جمالك إنسان؛ ثم موتي أيتها الوردة كي تقرأ فيك النهاية المحتومة لكل غال عزيز، وتعلم قصر المدة التي يحظى بها كل جميل جذاب)
ولولوع أدباء الإنجليزية بالفنون الجميلة، وشمول نظريتهم إلى شتى مظاهر الجمال وأحواله ووسائل التعبير عنه، كانوا كثيراً ما يمزجون جميع ذلك في مقطوعة واحدة من شعر النسيب. فشلي يقول مثلاً:(إن رجع الألحان بعد خفوت الصوت يبقى مردداً في الأفئدة، ولنشر البنفسج بعد موته طيب في الأنوف، وأوراق الورد بعد ذبولها تنثر على فراش الحبيب، وكذلك ذكرياتك تظل بعد ذهابك ماثلة)، وكولردج في قصيدته (الحب) يصور موقفه مع حبيبته حيال تمثال فارس مدجج تستند إليه محبوبة الشاعر، ثم يمضي يقص حكاية غرام ذلك الفارس في سالف الدهر في أسلوب خيالي عذب، مازجا وصف عواطف الفارس بوصف عواطفه هو نفسه
وفي النسيب في العربية شيء من ذكر الطبيعة ولكنه ضئيل. وقد كانت الطبيعة على العموم مهضومة الجانب في الأدب العربي، كما مر ذكره في كلمة سابقة؛ ولم يخفق الأدب العربي في عصر من عصوره بمثل ذلك الحب الحار الذي خفق به للجمال الإنساني، في معالجته للوصف الطبيعي؛ إنما جرت عادة شعراء العربية على تحميل الرياح سلامهم، ودعاء الغيث إلى سقي منازل أحبابهم، ومناجاة الحمائم والتشاؤم بالغراب، وتشبيه لواعجهم بلواعج الإبل أو القطا لفقد صغارها وأُلافها، كما كانوا يغبطون الوحش الآمن في سربه المهنأ بألفه كما قال أبو صخر الهذلي:
لقد تركتْني أغبط الوحش أنْ أرى ... اليقين منها لا يروعهما الذعر
أما مناظر الطبيعة: أشجارها وأزهارها، والامتزاج الروحي بكل ذلك، فقليلة الأثر في الشعر العربي عامة وفي النسيب خاصة؛ فبينا نجد الشاعر الإنجليزي حين يتأنق في تصوير أقصى مناه يتصور نفسه ومحبو بته يجوسان بين الخمائل والغدران، نجد الشاعر العربي الذي تعود حياة المدينة واستمرأ معيشة الحضارة، لا يتصور اللقاء إلا في الدار،