للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتلا عصر المطهرين في إنجلترا عصر ترف وفساد، جاء رد فعل للعصر السابق، فرانت الشهوات في المجتمع، وشاع الفجور في الأدب، كالذي كان في العصر العباسي، ثم زايلت المجتمع والأدب تلك اللوثة رويداً رويداً خلال القرن الثامن عشر. على أن النسيب لم يزدهر ثانية خلال ذلك القرن لأقفاره من روح المغامرة والطموح، وتقاعد رجاله في المدن وتزاحمهم في المنتديات التي شاعت إذ ذاك. ومن أهم ما يعاب على شعراء ذلك العصر أمثال بوب وأديسون وجونسون خلو شعرهم من آثار الفتنة بالجمال في مظهريه الطبيعي والإنساني

وإنما ازدهر النسيب وحفل الأدب بوصف فتنة الجمال بانبعاث النهضة الرومانسية، التي انصرف رجالها إلى الطبيعة والتفتوا إلى الماضي الحافل بحوادث البطولة، فكان جميع رجالها كوردزورث وكولردج وكيتس وشلي مغرمين غراماً شديداً بمحاسن الطبيعة ومفاتن الجمال الإنساني. ولكيتس في ذلك أقوال جرت مجرى الأمثال، كقوله: (الشيء الجميل هو حبور لا ينقضي) وقوله: (الجمال هو الحق والحق هو الجمال؛ هذا كل ما هنالك، وهذا كل ما يعنيك أن تعلمه)

والحق أن النسيب في الإنجليزية مقرون غالباً بالوصف الطبيعي، لشعور الأدباء البدهي بما بين الأمرين من صلة وثيقة؛ فالطبيعة غالباً هي المنظر الخلفي للصورة التي يرسمها الشاعر لموقف الحب الذي يريد رسمه، كما يتخذ المصورون مظاهر الطبيعة من بحر أو غاب أو أفق مناظر خلفية لما يصورون من وجوه أو أشخاص آدميين. والطبيعة هي التي تمد الشاعر الإنجليزي بالأوصاف والتشبيهات التي يمثل بها حبيبته وعاطفته؛ وظواهر الطبيعة هي الرسل الأمينة بينه وبين محبوبته، وهي أيضاً الوحي الذي يوحي إليه فلسفة الحب التي ينسجها لنفسه

فشلي مثلاً يقول: (النافورات تمازج النهر، والنهر يمازج المحيط، ورياح الفضاء تمازجها دائماً روح عذبة، ولا شيء في العالم يمضي وحيداً، بل كل الأشياء مطيعة لقانون إلَهي يمازج أحدها الآخر، فلم يشذ كلانا؟) ومارلو يقول: تعالي سويا وكوني لي، كي نستوعب كل المتعات التي يحبونها بها التلاع والسهول والوديان والحقول والجبال الوعرة) وتنيسون يقول: (ما بالها تتباطأ في إسباغ الحب على قلبها تباطؤ الوريقة على الغصن في اكتساء

<<  <  ج:
ص:  >  >>