نستطيع على هديه أن نتعرف حياة النعمان الخاصة، فلقد تزوج امرأة أبيه المتجردة أجمل نساء عصرها، وبينما كان هو يوليها كل حبه كانت هي تحب غيره. وقد اتهم فيها النابغة لنظمه قصيدة يصف فيها محاسن الملكة ويذكر فيها نواحي خاصة دقيقة، ولكن الحقيقة هي إنها كانت والمنخل اليشكري يتبادلان الحب ويجرعان كؤوس الهوى، وقد فاجأهما النعمان ذات يوم على غير ما يهوى؛ ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحد يرى المنخل. ومن هنا نشأ المثل القائل (حتى يعود المنخل) وبالرغم مما يقال من أن كثيراً من ملوك الحيرة كانوا مسيحيين فان الشك يحتك في الصدور عما إذا كان أحدهم - سوى النعمان الثالث - يستحق هذا اللقب؛ وكان اللخميون بعكس غالبية رعيتهم عريقين في الوثنية. أما تعاليم النعمان فقد هيأته للنصرانية، كما أن هدايته - كما تؤكد القصة - كانت على يد رائده عدي ابن زيد
يذكر النسابة المسلمون أن الغساسنة - سواء المقيمون منهم في المدينة أو من جرى العرف بتسميتهم بغساسنة الشام - من ولد عمرو ابن عامر المزيقيا الذي كان قد باع أملاكه في اليمن وهاجر على رأس جمع غفير من سكانه قبيل انفجار سد مأرب؛ ويعتبر ابنه جفنة عادة مؤسس الأسرة، أما عن تاريخهم البدائي فالثابت منه ضئيل جداً لا يبل ظمأ الباحث. ومما يذكر عنهم أنهم دفعوا الجزية للضجاعمة وهي أسرة من نسل صليح الذي كان حاكما على حدود سورية تحت رعاية الروم. وتبع ذلك صراع عنيف خرج منه الغساسنة ولواء النصر يرفرف فوق رؤسهم. ومنذ ذلك الحين نراهم قد استقروا في هذه الأقاليم كممثلي السلطة الرومانية ذوي ألقاب رسمية كأشراف وقواد، تلك الألقاب التي أبدلوها هم والعرب الذين حولهم بكلمة (ملك) كما هي العادة الشرقية. (وأول من ملك الشام من آل جفنة الحرث ابن عمرو بن محرق، وسمي محرقا لأنه أول من حرق العرب في ديارهم ويكنى أبا شمر؛ ثم ملك بعده الحرث بن أبي شمر وهو الحرث الأعرج وأمه ماريه ذات القرطين، وكان خير ملوكهم وأيمنهم طائراً وأبعدهم مغاراً، وأشدهم مكيدة وكان قد غزا خيبر فسبى من أهلها ثم أعتقهم، وكان قد سار إليه المنذر بن ماء السماء في مائة ألف فوجه إليهم مائة رجل فيهم لبيد الشاعر وهو غلام، وأظهر أنه إنما بعث بهم لمصالحته فأحاطوا برواقه فقتلوه وقتلوا من معه في الرواق وركبوا خيلهم فنجا بعضهم وقتل بعض، وحملت الخيل الغسانيين على عسكر المنذر فهزموهم وكانت له بنت يقال لها حليمة كانت تطيب أولئك