- الرومان - ابعد تأثير ثم عاد فبعث مكمنه فأثر فيه نشأت الآداب الأوربية الحديثة، بل على يديه درجت، وفي حجره شبت؛ ومازالت دراسته أحد فروع الثقافة العالية في الجامعات الأوربية؛ ومن اجل دراسته والاستفادة من كنوزه تدرس اللغة الإغريقية على بعد ما بينهما وبين اللغات الحديثة. أما اللغة ذاتها فتقلص ظلها منذ تقلص ظل السيادة اليونانية التي أظلت حوض البحر الأبيض الشرقي على عهد أثينا والإسكندر والبطالسة، ودرست اللغة وبطل التخاطب بها حتى في بلاد اليونان ذاتها
وتترواح درجة تأثير أدب آمة في آداب غيرها تبعا لحالة المؤثر والمتأثر: فيكون الأثر شاملاً غامراً إذا كانت الهوة بينها بعيدة، بأن كان الأول عظيم الرقي والآخر بدائياً ساذجاً، كما كان تأثير الأدب اليوناني في الأدب الروماني والآداب الأوربية الحديثة، وكما كانت منزلة الأدب الفرنسي من الأدب الألماني في أوائل القرن الثامن عشر؛ وقد يكون أثر أدب في غيره قاصراً على ناحية يتفوق فيها أو يمتاز بها، كما كان تأثير قصة المغامرات الإسبانية في الأدب الإنجليزي، أو تأثير القصة الروسية في الآداب الأوربية العصرية؛ وقد تحتفي أمة بدراسة أدب أمة أخرى إعجاباً به وتقديراً له، دون أن يتأثر به أدبها تأثراً كبيراً؛ واغلب ما يكون ذلك إذا تماثل الأدبان في الرقي، كما هي الحال بين كثير من الآداب الأوربية الحديثة التي قطعت مراحل متماثلة، ووصلت إلى درجات من الرقي مقاربة؛ وقد يتناكر أدبان ويتنابذان فلا يتأثر أحدهما بالآخر، لشدة ما بينهما من تفاوت، أو لاعتداد كل منهما بنفسه، كما كان من ازورار الأدب العربي عن الأدب اليوناني؛ وقد يدرس الأدب في المعاهد وعلى أيدي العلماء والأدباء لمجرد البحث العلمي والتاريخ، دون إن يكون له كبير اثر في آداب الأمم، آو يكون لجمهور المتأدبين بصر به، كما يدرس الأدب العربي في بعض الجامعات الأوربية اليوم
وكلا الأدبين العربي والإنجليزي أثر في آداب الأمم الأجنبية، وبلغ في الرقي والخطر ما جعله جديراً باحتفائها، واشتهر فحوله وأعلامه بينها، وساهم بنصيب في الأدب الإنساني العالمي. على أن الأدب العربي أعطى اكثر مما أخذ، وأثر في آداب الأمم الأجنبية أكثر مما تأثر بها، بينما الأدب الإنجليزي قد اخذ اكثر مما أعطى إلى اليوم، وغنم من كنوز الأمم الأخرى أكثر جداً مما أودع تلك الكنوز؛ وهذه في الحقيقة ظاهرة مطردة في تاريخي