للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في غنى عن الأخذ عنه، وهو لا يفاجئها بعناصر ليست فيها، وهو وهي سواء في الأخذ من الأدب اليوناني والبناء على أساسه واعتناق مبادئه التي دان بها في تصوير الحياة وتحليل النفوس وعبادة الجمال.

فالآداب الأوربية اليوم، بما فيها الأدب الإنجليزي، فرسا حلبة واحدة، متشابهة في النشأة والتاريخ والمنهج، وهي وان كانت على اتصال وامتزاج دائبين، لن ينتظر أن يكون تأثير واحد منها في غيره تأثيراً بعيد المدى شاملاً غامراً، كما كان تأثير الأدب اليوناني في الأدب الروماني، أو تأثير الأدب العربي في الأدب الفارسي، فمثل هذا التأثير الشامل لا يكون إلا بين أدبين قد انفرجت بينهما مسافة الخلف، وضرب حجاب العزلة بينهما دهراً، كما هو الشأن اليوم بين الآداب الغربية في مجموعها - ومن بينها الأدب الإنجليزي - والآداب الشرقية في مجموعها - ومن بينها الأدب العربي - فقد كان التدرابر والتناكر سائدين بينهما عصوراً طويلة، والأولى في رقي مطرد، والثانية في تدهور مستمر، فلما تلاقتا ورفع من بينهما حجاب العزلة أثرت الأولى في الثانية؛ وما تزال تؤثر تأثيراً هو أدنى إلى الثورة المطلقة أو الخلق من جديد.

فالأدب الإنجليزي قد بلغ من الرقي وصدق الرسالة واتساع الجوانب ما يبذ به الأدب العربي، ونال من المكانة بين آداب الأمم أسماها، وحاز من أدباء تلك الأمم اعظم التقدير والحفاوة، وهو مكانة ستظل له دائماً كما ظلت مكانة الأدب اليوناني بعد زوال دولته، وهو خليق أن يؤثر في آداب الأمم التالية أثراً بعيداً، أما إذا ووزن بين تأثيره في الآداب الأخرى إلى اليوم وبين تأثير الأدب العربي في الآداب المعاصرة له، فان الأدب العربي يرجحه كثيراً. بيد إن الأدب العربي قد أدى رسالته في ذلك الصدد ولم يعد صالحاً لان يؤثر في آداب الأمم الأخرى حتى يتجدد ويتأثر هو ذاته بغيره من الآداب، ويفتتح في تاريخه فصلاً جديداً غير الفصل السالف.

فخري أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>