للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السماء.

لقد وضع الإنسان للأمور أقدارها ليحافظ على نفسه، فهو الذي أوجد للأشياء معانيها الإنسانية.

ما التقدير إلا الإيجاد بعينه، فأصغوا إلي أيها الموجدون.

ما الكنوز والجواهر إلا أشياء أرادها تقديركم جواهر وكنوزاً، فما القيمة إلا اعتبار، ولولا التقدير لما كان الوجود إلا فتوراً لا نواة فيها. اسمعوا أيها الموجدون: إن قيمة الأشياء تتغير تبعاً لتحول اعتبار الموجد، ولا بد لهذا الموجد من أن يهدم في كل حين.

لقد كانت الشعوب تتولى الإيجاد في البدء حتى ظهر الأفراد الموجدون، فما الفرد في الواقع إلا احدث هيئات الوجود.

لقد أقامت الشعوب لنفسها قدماً شريعة خيرها، وما نشأت هذه الشريعة إلا باتفاق المحبة التي طمحت إلى السيادة، والمحبة التي رضيت بالامتثال.

إن هوى المجموع اقدم من أهواء الفرد، وإذا كان خير الضمائر ما يكمن في المجموع، فان شرها ما يتجلى في الفرد المعلن شخصيته.

والحق أن الشخصية المراوغة التي لا محبة فيها، الشخصية التي ترمي إلى الاستفادة من خير الأكثرية، إنما هي عنوان انحطاط المجموع لا مبدأ كيانه.

ما خلق الخير والشر في كل عصر إلا المتهوسون المبدعون، وما أضرم نارهما إلا عاطفة الحب وعاطفة الغضب باسم الفضائل جمعاء!

لقد شاهد زارا كثيراً من الشعوب والبلدان فيما رأى قوة على الأرض تفوق قوة المتهوسين، والقوة معنى لكلمتي الخير والشر.

ما أشبه ما يستدعى التمجيد ويستوجب العقاب بالمسخ الهائل، فمن له بسحق هذا المسخ، أيها الاخوة؟ من سيشد بالأغلال على ما يتلع هذا الحيوان من آلاف الأعناق؟

لقد بلغت الأهداف الألف عداً إذ بلغ عدد الشعوب الفاً، فنحن بحاجة إلى قيد واحد لألف عنق، لأننا بحاجة إلى هدف واحد، فالبشرية لم تعرف حتى اليوم لها هدفاً، ولكن إذا كانت الإنسانية تسير ولا غاية لها، أفليس ذلك لقصورها وضلالها؟

هكذا تكلم زارا

<<  <  ج:
ص:  >  >>