للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

آخر.

لم أر جاراً تمكن من إدراك حقيقة جاره، بل رأيت كلاً منهما يعجب لجنون الآخر وقسوته.

لقد علق كل شعب في رأسه لوح شريعته، وسطر عليه ما اجتاز من عقبات وما تضمر إرادته من عزم، فما تراءى له صعب المنال فهو موضوع تمجيده، وما خيره إلا حاجة ملحة عز مطلبها، فهو يقدس كل وسيلة تمكنه من الظفر بهذه الحاجة.

إن كل ما يوطد الحكم لهذا الشعب، وكل ما ينيله النصر والمجد ويلقي الرعب في روع جاره مثيراً حسده إنما هو في نظره ذو المكانة الأولى، وما احتل المقام الأول في اعتباره يصبح مقياساً لجميع أموره ومعنىً لجميع ما يحيط به؛ فإذا ما تمكنت من الاطلاع على حاجات أي شعب وخبرت أرضه وجوه وحالة جاره، فانك لتدرك النواميس التي تتحكم فيه وتحفزه إلى المجالدة للغلبة على اهوائه، ولتعرف السبب في اختياره مراقيه الخاصة يتدرج عليها لبلوغ أمانيه.

(عليك أن تكون سباقاً مجلياً في كل مضمار، فلتتلفع نفسك بغيرتها كيلا تبذل الولاء إلا للصديق)

إنها لكلمات إذا وقعت في أذن يوناني، ترتعش نفسه لها فيندفع إلى اقتحام الصعاب طلباً للمجد.

(قل الحق، وكن ماهراً في تفويق سهامك من قوسك)

إنها لوصية صعبت وعزت على الشعب الذي اقتبست اسمي منه، وفي هذا الاسم من المصاعب قدر ما فيه من أمجاد.

(اكرم أباك وامك، ولتكن باراً بهما من صميم قلبك)

وهذه الوصية القائمة على إرغام النفس، قد عمل بها شعب آخر فبلغ القوة واصبح خالداً.

(كن أميناً وابذل للأمانة دمك وشرفك حتى ولو كان جهادك في سبيل ما يضير وما يورد المهالك).

وهذه أيضاً وصية عمل بها شعب آخر، فتغلب على ذاته واصبح عظيماً تثقله الأماني الجسام.

لقد أقام الناس الخير والشر، فابتدعوهما لأنفسهم، وما اكتشفوهما ولا أنزلا عليهم بهاتف من

<<  <  ج:
ص:  >  >>