هنا ثورته على التقاليد القديمة للمسرح، واستهزاؤه الشديد بآلهتهم، ونظرته إلى هذه الآلهة نظرة السخرية المرة التي تقع في اعتبارها موقع المردة والشياطين الجبارين، لا موقع الأرباب الرحماء.
حقيقة لقد أسخط يوريبيدز قومه، ولكنه فتح عيونهم على حقيقة الحياة، وبدلاً من أن يقدم لهم روايات أبطالها الأرباب وأنصاف الارباب؛ قدم لهم روايات أبطالها هؤلاء الناس، وحوادثها تلك الحوادث التي تزدحم بها الحياة كل يوم. . . الحب والبغضاء، والحقد، والطمع، والأنانية، و. . . المرأة!.
ولا نغالي إذا قلنا إن يوريبيدز هو الذي أنار الذهن اليوناني واعد الأفكار لثورة الفلاسفة (سقراط وأفلاطون وأرسطو. . .) وبالتالي فهو الذي أنار أذهاننا منذ اكثر من أربعة وعشرين قرناً.
هل برنردشو كافر؟
لا تستطيع أن تدعو برنردشو فيلسوفاً؛ مع انه احسن الفلاسفة الذين يعيشون في العصر الحديث، وليس في هذا الكلام تناقض، إذ لا تستطيع أن تحدد فلسفة شو كما تحدد فلسفة نيتشه أو كانت أو ديكارت أو برجسون، وكل من هؤلاء قد ترك أثراً كبيراً أو طفيفاً في عصره وبيئته، ولكن شو قد ترك آثاراً جليلة في الدنيا برمتها، وسيعيش أدب شو، ولكن أدباً كأدب ولز سيموت. ذلك أن أدب شو كتب لهذا الجيل وللأجيال القادمة، أو قل انه كتب للنفس البشرية في كل العصور، ولكن ولز يكتب لهذا العصر الذي نعيش فيه فقط، وقد ماتت كل كتبه التي دعا فيها إلى الإخاء الأممي. وها هي ذي الدكتاتوريات تبتلع آراءه وتغيبها في أعماق الظلام. ولذلك كتبنا مرة أن ولز قد مات وكان ذلك يوم الاحتفال ببلوغه السبعين، وكنا نقصد انه مات بأفكاره وكتبه وقصصه لولا أن سها الصفاف فاغفل هذه العبارة. وفلسفة شو هي باقات يانعة من الآراء الاجتماعية منتثرة في قصصه ودراماته، وليست له نظرية محدودة كما للفلاسفة، ولكن الذي يبرز بروزاً واضحاً منها هو كفره الصريح وإيمانه بان الله هو الحياة نفسها، وليس شيئاً آخر. ومع أن هذا الرجل متأثر إلى حد بعيد بالطهريين، وهو إلى الآن ينحو نحوهم في امتناعه عن إيذاء الحيوان والاكتفاء بالأغذية النباتية فانه يكفر بأفكارهم ويثور على تقاليدهم الاجتماعية بكل ما فيه من قوة