والغريب أنها بعد إن نزلت أمام منزلها وودعتها تعمدت إن تقف هنيهة قبل إن تدخل من الباب وتخرج منديلا صغيراً وتمسح به الأحمر عن شفتيها وفي يدها الأخرى مرآة الحقيبة
وكان هذا أخر عهدي بلقائها وكلامها
ولا تزال المعركة ناشبة، واحسبنا سنمل هذه الحرب الباردة - حرب الشفاه الممطوطة والأكتاف المهزوزة والإشاحة بالوجه والأعراض بالعين وتقطيب الحواجب وتجعيد الجبين، إلى آخر هذه المناظر المضحكة، ولولا أني لا اعدم القدرة على رواية الجانب المضحك لانفلقت، ولكنت حرياً أن ألقي السلاح وأعدل عن الكفاح، ولكنها هي متكبرة. . أوه جداً جداً. . وأنا كما تعرف. . دائم الضحك - هذا أولا - وأما ثانياً فإني لا أنفك أقول لنفسي: لقد عشت قبل عهدها دهراً طويلا لا تحس بالحاجة إليها ولا تعرف إنها موجودة. وإنك الآن لتحيا بغيرها، ولا تعدم نعيما تفيده بدونها ومن غير طريقها، فماذا ينقصك ولماذا تعني نفسك بالتفكير في الأمر كله؟. . دع كل شيء للظروف والمصادفة. . وليكن ما يكون. . . ولكن يخطر لي أحياناً أني قد ألقاها ولا أرى على شفتيها هذا الأحمر، فماذا يكون العمل حينئذ؟. أقول لك. . دع هذا أيضاً للمصادفة وإلهام الساعة، إن التدبير هنا قلما يجدي أو يصح. .
ولكن ضحكي يحنقها، وابتسامي يثير سخطها، وأنا لا أستطيع أن أكره نفسي على التعبيس بلا موجب، وهذا هو البلاء والداء العياء، فإنها تتوهم أني أسخر منها فتزداد لجاجة في الصد والإعراض، واحسبني سأظل هكذا أبداً. . أفسد على نفسي متع الحياة بسوء تصرفي وقلة حكمتي، فلا حول ولا قوة إلا بالله!