وقلت (تعالي فإن بي حاجة إلى الهواء الطلق، فابتسمت، فتوهمت إنها نسيت ما كان بيننا أو آثرت مثلي إن تطويه. وإذا بها تقول لي أول ما تقول ونحن في السيارة (إنك مستبد) فعجبت وقلت: (كيف.؟ لقد كنت أظن أني من ألين خلق الله وأسلسهم قياداً)(فصاحت بي (أنت. . تقول إنك سلس القياد. . أعوذ بالله. .)
قلت وأنا أحول إن أصرفها عن هذا الموضوع الشائك (طيب. . آمنا وسلمنا. . مستبد مستبد. . كما تشائين. . والآن يا جاحدة. .)
وكنت أنوي إن أمازحها، ولكنها قاطعتني بسرعة وحدة:(جاحدة. . لماذا بالله. . هه)
فقلت لنفسي إن ليلتي لاشك سوداء. . وأنا رجل أكره الجدل العقيم ولا يثقل على نفسي شيء مثله، ولست أعرف لي صبراً عليه؛ غير أني ضبطت نفسي ولم ادع عنانها ينفلت من بين أصابعي فقلت:(معذرة: إني أضحك ولا أعني ما أقول)
قالت (واعترف أنك مستبد)
قلت (إذا الاعتراف بما ليس في يرضيك، فهأنذا اعترف وأمري لله)
قالت (كلا. . إنما أريد اعترافاً صريحاً لا مكابرة ولا تحفظ فيه)
قلت (فليكن؛ ولكن ما خيره؟. ماذا يفيدك إن اقر لك بأني مستبد؟. أما إن هذا لغريب)
قالت (اعترف والسلام. . لست أريد فلسفة)
قلت (اعترفنا يا ستي. . فهل راق مزاجك ورق)
فضحكت وقالت:(نعم) قلت: (إذن امسحي الأحمر الذي صبغتي به شفتيك، أو دعيني امسحه لك بهذا المنديل. . إنه نظيف)
قالت (كلا) وأصرت على الرفض والتأبي فقلت: (إلا تدركين أنك مغرورة؟) فاحمر وجهها كأنما أفرغت على وجنتيها كل ما في الدنيا من الأحمر، فقلت وقد تعمدت إن اثقل عليها:(نعم مغرورة. . ولم أكن أحسب شوقي رحمه الله صدق في قوله: والغواني الخ. . تعرفين الباقي. . وأحسبك تتوهمين أن حياتي رهن بأن تمسحي هذا الأحمر. . أو أن روحي معلقة بِشفتيك وما يكون أو لا يكون عليهما من الأصباغ السخيفة. . ثقي أن الأمر ليس كذلك. . وإنما انصح لك بمسح الأحمر لأنه. . .)
وأمسكت إشفاقا عليها من اللفظ القاسي الذي كان على لساني فسكتت ولم تقل شيئاً