المجد والابتداع والتمتع والسرور، وتصوير لما تفرضه عليه من هوان وصغر وقهر وآلام، وما تبسط له من فجاج الحرية وما تكبله به من مشعبات القيود؛ وليست مواضيع الدرامة اليونانية المتعددة في صميمها إلا موضوعاً واحداً: هو اصطدام مطامع الإنسان بصرامة الأقدار
ولحفول الأدب الإغريقي على ذلك النحو بدراسة الإنسان، سميت الآداب الإغريقية أو الكلاسية عامة منذ عهد النهضة الأوربية (بالإنسانيات)، فإن الاطلاع عليها لم يكن كشفاً للعالم القديم فقط، بل كان كشفاً للنفس الإنسانية ذاتها، تلك النفس التي كانت قد أهملت في العصور الوسطى اشد الإهمال، وازدريت شر الازدراء، بتأثير الكنيسة التي ذهبت في تضليل العقول مذهباً بعيداً، فزعمت الإنسان شريراً خاطئاً بالطبع، وعلمت الإنسان أن فيه نزعة من الشيطان، لا يذهب مسها عنهم إلا العصا في الصغر، ودوام التندم والاستغفار في الكبر. وهكذا عكست الكنيسة بجهالتها غاية الدين الذي لم يأت إلا لتوطيد ثقة الإنسان بنفسه وتمكين اعتقاده بحاضره ومستقبله، فلا غرو خمد الأدب في تلك العصور، إذ لا أدب ولا حياة إلا حيث للإنسان ثقة بالإنسان
وقد ورث الأدب الإنجليزي فيما ورث عن الأدب الإغريقي تلك النزعة الإنسانية، وحفل كما حفل أدب اليونان بتمجيد الإنسان من جهة، والأسى لتلاعب الأقدار به من جهة أخرى: فمواضيع روايات شكسبير الكبرى كهملت وعطيل وماكبث هي مواضيع الدرامة اليونانية: فهي تدور حول أبطال أو عظماء نالوا من المجد وشرف المحتد وفضائل الشجاعة والقوة والعقل شأوا عظيماً، ولكن كل مزاياهم تلك تذهب هدراً من جراء مغامز في شخصياتهم تتسلل منها أصابع القدر إلى سعادتهم فتنغصها، وإلى مجدهم فتثله؛ ورواياته بجانب ذلك تعج بشتى الدراسات للطبائع الإنسانية، التي تثير الروعة والإكبار تارة، والشفقة والأسى مرة، والاحتقار والاشمئزاز حيناً، والسخر والضحك طورا.
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث في الأدب الإنجليزي ألفينا نفس ذلك العراك المستمر بين النفس الإنسانية الجادة في تحقيق مطالبها ومطامحها، وإثبات شأنها وخطرها، وبين القدر الصارم القوانين السادر في جبروته. لم يزد بعد تقدم العلم وتذليل قوى الطبيعة إلا تجسماً واستفحالاً. وقد نقله هاردي من عالم الرواية التمثيلية التي تدور حول الأبطال والملوك،