يزال متمثلا شبح الموت:(حينما يخامرني الخوف من أن أقضي قبل أن أجني كل ثمار عقلي الوافرة، وقبل أن تحويها الكتب المكدسة كما تحوي البيادر المحصول الناضج؛ وحينما أشاهد على وجه الليل المرصع بالنجوم رموزاً من الغمائم لرواية تجري في علو، وأذكر أني ربما لا أعيش حتى أرسم ظلاً لها بيد الإلهام السحرية؛ وحينما اشعر يا جميلتي الوشيكة المضي إني لن أراك بعد، ولن أنعم بتلك القوة الساحرة: قوة الحب الأعمى، عند ذلك أقف وحيداً على شاطئ الدنيا الرحيبة، وأفكر حتى يصير الحب والمجد هباء)
وتمثلت رهبة الطبيعة لأدباء الإنجليزية في البحر وهياج أواذيه واصطخاب عواصفه، واطراد ثورته وبعد غوره، ومن روائع آثار الشعراء في هذا الصدد أبيات تنيسون التي نظمها وقد قصد البحر مفكراً مهموماً، يبغي العزاء عن فقد صديق له حميم، ومنها قوله:(تكسر أيها البحر على صخورك الباردة الكالحة، وطوبى لابن الصائد إذ يتصايح هو وأخته لاعبين، وتمضي الجواري المنشآت إلى مرافئها بسفح التل. ولكن من لي أنا بمصافحة تلك اليد التي غابت، وذلك الصوت الذي سكت). واستعار شلي رحب البحر وشدة أسره وصرامة صروفه، للتعبير عن صرامة الزمان وبطشه بالإنسان. قال يخاطب الزمان:(أيها البحر الذي لا يسبر غوره، والذي أمواجه السنون، والذي قد غدت أواذيه أجاجاً من ملح دموع الإنسان، والذي يطوي في مده وجزره أطراف الإنسانية، ويبشم من فرائسه وإن يكن ما يزال يعوي طلباً لسواها فيلفظ بقاياها على شطوطه غير الكريمة ولا الوثيرة)
واسترعت تفكير الأدباء أحوال المجتمعات التي رضيها الإنسان لنفسه مقاماً وما يداخلها من نقائص لا يخلو من بعضها مجتمع أو جيل، وما في بعض أنظمتها من تقييد للحريات وهضم لحقوق بعض الأفراد أو الطبقات، فنددوا بتلك المساوئ ونادى بعضهم بإصلاح تلك المفاسد التي تهبط بالإنسان عن رتبته التي هو جدير بها في الكون، وتعترض سيره إلى ما ينشده من كمال؛ فكان منهم رادة حركات النهوض والإصلاح؛ بل نادى بعضهم بفض المجتمع والعودة إلى الطبيعة. وبمثل تلك الكتابات الاجتماعية تحفل كتابات فلتير وروسو. وقد كانت هذه النزعة ضئيلة المظهر في الآداب القديمة؛ أما في الآداب الحديثة فهي تتعاظم وتشتد جيلا فجيلا. فالنقد الاجتماعي والحض على الإصلاح غرض حديث من أغراض