ولكنها لم تقتصر على ذكراه بل امتدت إلى شتى نواحي الحياة وشملت نظرته العامة إليها؛ وشكسبير حين مرت به أزمته النفسية الكبرى بإخفاق آماله في الحب والصداقة، نفس عن صدره بمآسيه الكبرى، وفيها لا نرى الإنسان ألعوبة عاجزة في يد الأقدار، بل نرى في آثار بطولته ما يملؤنا روعة ويبقي أمامنا نور الأمل؛ وورد زورث حين تبددت أحلامه في المجتمع الإنساني الفاضل الذي خال الثورة الفرنسية منجلية عنه، مرت به غيمة قنوط عابسة لم يقشعها عنه إلا تعزيه بمحاسن الطبيعة وقضائه الوقت متفيئا ظلالها مصوراً آثارها في شعره. وفي عبادة الجمال الطبيعي والإنسان كان كيتس يجد مفزع روحه مما يتكنفه من بأساء الحياة وما يمض عيشه من فتكات الداء
ومن أبدع الأشعار التي تعرض جانبي الصورة ناصعهما وحالكهما، وتجسم ضعف الإنسان وفناءه، وتمجد قوته وعبقريته، مقطوعة شلي المسماة (أوزيماندياس المصري) وفيها يقول: (قابلت مسافراً من أرض قديمة قال: تقوم في الصحراء ساقان من الحجر ضخمتان عديمتا الجذع، وقد ارتمى بجانبهما وجه مهشم يكاد يغور في الرمال، تنطق تقطيبته وشفته المعوجة كبرياء وعظمة هادئة، بأن المثال قد أجاد قراءة تلك الصفات التي ما تزال حية مطبوعة على ذلك الحطام الجامد، وقد فنيت اليد التي صورتها والقلب الذي غذاها، وقد لاحت على القاعدة هذه الكلمات: اسمي أوزيماندياس، ملك الملوك. انظروا إلى آثاري أيها الجبابرة وأقروا يائسين، وليس بجانب ذلك شيء باق، قد أحاطت بذلك الحطام الهائل المهدم رمال موحشة منبسطة جرداء تمتد إلى مالا نهاية)؛ فهنا وصف شائق أخاذ لعظمة الملك وبراعة الفنان، وتصوير رائع لسطوة الموت وبطشة الفناء
وفي الأدب العربي نرى تزايد هذا الاهتمام بالإنسان نشأته وأحواله ومصيره، بتزايد حظ العرب من الحضارة والثقافة: ففي الأدب الجاهلي وفي صدر الإسلام لا نعثر إلا بالأبيات المتفرقة يتأمل فيها الشاعر في ضعف الإنسان وقصر حياته، وتلاحق همومه، واتصال آماله برغم ذلك، وشدة إقباله على الحياة وتغاضيه عما وراءها. وفي ما عدا تلك النظرات الخاطفة والمواعظ العارضة، لا يكرث الشعراء أنفسهم كثيراً بالتساؤل فبما كان وما سوف يكون، بل لكل منهم شأن يعنيه من حاضره، فمتغزل عاكف على هواه مترنم بليلاه، ومفتخر يشيد بمجد نفسه ومكان قبيلته، ومداح مجتهد في استدرار صلات الأمراء، وهجاء