الوضع بدأ عمله مبكراً واستراح عند الظهر. وكان يحب التأليف في الريف، ولا يشتغل في اليوم اكثر من ساعتين أو ثلاث، وكلما طال عمله طال نومه وقلت رغبته في الأكل، وكانت صناعة الكتابة منهكة له، وكثيراً ما اضطر إلى الانقطاع عن العمل بتاتاً مددا طويلة.
على أنه كان كأبيه من حيث الاعتدال، فلم يكن يشرب نبيذاً ولا قهوة ولا خمرا ولم يكن تبغاً.
أما بلزاك العظيم فقد كان غريباً في حياته التأليفية. فلم يكن يكتب ألا بعد أن يلبس لباس الهبان، وكذلك كان سلوكه مثلهم منظماً نقياً جيدا. ويروى تيوفيل جوتييه أن بلزاك كان ينصح لتلاميذه أن ينقطعوا للعمل سنتين أو ثلاثا بمعزل عن الناس، وألا يشربوا إلا الماء ولا يأكلوا إلا الأرانب، وأن يناموا عند تمام الساعة السادسة مساء ويستيقظوا عند منتصف الليل فيبدأوا عملهم حتى الصباح، كما كان ينصحهم بالعفاف المطلق؛ وكان كثير التكرار لهذه النصيحة الأخيرة. ولم يكن هازلا في نصائحه. وقد كان عظيم الإنتاج بفضل إرادته الخارقة ومزاجه التقشفي وانقطاعه عن الناس انقطاع المتحنثين الأبرار. وكان في سلوكه مستقيماً حتى لم يكن يشرب النبيذ
وأما هوجر فكان مفرطاً في شرب الخمر والأكل دون اكتراث، ولكنه ككل عظماء المنتجين، كان يبدأ عمله في ساعات محددة من وقت الاستيقاظ إلى وقت الغداء. وكان يستيقظ في الساعة السابعة دائماً فيغسل رأسه بماء بارد، ثم يبدأ يكتب وهو واقف بسلاسة دون محو صفحات من نثر أو نظم قد أختمر في عقله في مساء اليوم السابق في أثناء نزهته المعتادة بعد الظهر. وما أكثر ما صنف! ولكن تصانيفه الهائلة لم تجهده أبداً وذلك بفضل نظام العمل.
أما ميشليه فكان من عادته أن يكتب مبكراً؛ فكان في أول حياته يستيقظ في الرابعة صباحاً، ثم اصبح في وسط حياته يعمل نحو الساعة الخامسة: وفي آخر حياته صارت السادسة هي ساعة بدء العمل. وكان محباً للنوم، هادئه عميقه، وكان ينام الساعة التاسعة مساء حين كان وحيداً. وكان يدرس قبل نومه الحقائق الأساسية الخاصة بالفصل الذي عليه أن يكتبه في اليوم التالي، فمما لا شك فيه أن العقل يشتغل بالليل وصاحبه نائم.