ألقي بواحد في النار، وهلك اثنان في الميدان، حيث طبع الدم عقيدتيهما بخاتمه، وذهبا كما ذهب أبوهما في سبيل الله الذي أنكره أعدائهم، وألقي بالثلاثة الباقين في غيابة السجن حيث لم يعش منهم سواي أنا. . . حطامهم الباقي
- ٢ -
هنالك في سجن (شيلون) ذلك السجن العتيق العميق، توجد سبعة أعمدة أقيمت على النمط القوطي، سبعة أعمدة ضخمة شهباء، تتراءى كالحة على بصيص منبعث من شعاع كئيب سجين، شعاع من أشعة الشمس ضل طريقه، فسقط من خلال الشقوق في الجدار الضخم على أرض السجن، واخذ يزحف فوق تلك الأرض الرطبة المبللة كأنه خيال المذنب انعكس في مستنقع
في كل عمود من تلك الأعمدة علقت حلقة، وفي كل حلقة ربطت سلسلة. آه. يا لهذا الحديد من آكل، فهاهي ذي أسنانه لا يزال أثرها في ساقي ولن يزول ذلك الأثر إلا بزوال هذا النهار الجديد، الذي تتأذى به الآن عيناي وتتألمان، لأنهما لم تريا الشمس هكذا تشرق منذ سنوات لا يسعني حصرها، فقد نسيت عددها وغاب عن وعيي تعاقبها الثقيل، منذ أحنى آخر اخوتي رأسه وفارق دنياه، وأنا بجانبه لا تزال تدب في جسمي الحياة!
- ٣ -
أوثقونا كلا في عمود من تلك الأعمدة الحجرية وكنا ثلاثة معا، ولكن كل في معزل عن أخويه، ولم نك نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة، ولم يك يتسنى لأحدنا أن يرى وجهي الآخرين لولا ذلك الضوء الشاحب الأغبش الذي جعل كلاً منا غريباً في عين أخيه: وهكذا كنا معا وإن كنا في الوقت نفسه منفردين، كانت أيدينا مغلولة مربوطة، ولكن قلوبنا كانت تذوي من الحزن.
على أننا مع ما كنا نقاسيه من حرمان أنفسنا من عناصر الحياة الصافية وجدنا بعض العزاء أن كنا نستطيع أن نتحادث ويسمع كل منا كلام أخويه فيسري كل عن الآخرين بما ينشد من أمل جديد أو بما يذكر من أسطورة قديمة أو بما يتغنى به من نشيد حماسي من أناشيد البطولة